العبادي ومسؤولياته بعد الموصل د. ماجد السامرائي بدأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استثمار النصر العسكري على تنظيم داعش في الموصل رغم علمه وعلم الجميع بأن هذا التنظيم الإرهابي مازال موجودا بأشكال وأحجام مختلفة في خاصرة الموصل، تلعفر، وفي كل من الحويجة بكركوك والامتداد الغربي للأنبار في هيت وعانة وراوة. وكما كان متوقعا لدى السياسيين المحليين والمراقبين مباشرة العبادي بخطاب استثمار النصر العسكري لحسابه السياسي بأنه الأفضل من بين رفاقه بحزب الدعوة الحاكم الفعلي للعراق ولشركائه الشيعة كعمار الحكيم ومقتدى الصدر، رغم إخفاقه الإعلامي الملفت في خطاب إعلان الانتصار الذي كان مرتبكا وغير مدروس من الناحية السياسية، حيث خلا من عبارات الإشادة الواجبة في مثل تلك المناسبة بصمود أهل الأرض أبناء الموصل وبضحاياهم من الشهداء المغدورين والمئات منهم جثامين تحت الأنقاض التي أطل منها في خطابه المذكور، ويبدو أنه كان يتوقع بأن يظهر نوري المالكي ويجعل أهل الموصل متهمين بإيواء داعش. ولم يشد بالحشد الشعبي الذي يعتبر نفسه العمود الفقري لذلك الانتصار مما فسح المجال أمام تفسيرات في مواقع التواصل الاجتماعي لا ترقى إلى مستوى الأخبار الصحيحة مثل تفسير ذلك بخضوع العبادي لضغط أميركي بعدم تضمين الخطاب بتلك الإشادة تمهيدا لحل الحشد كجزء من صفقة مرحلة ما بعد داعش الأميركية، وتلك الأخبار والتسريبات لا ترقى إلى الحقيقة وقد يكون مصدر تسريبها ليس جهات معادية للحشد أو الأحزاب الشيعية وإنما قد يكون جزءا من حملة إعلامية مدروسة من داخل تلك الأوساط ذاتها كجزء من التنافس بين العبادي والمالكي. ومن المفيد التوضيح بأن ما يحصل هذه الأيام في بداية شوط ما بعد داعش ذو مستويات وإطارات مختلفة داخل قيادة حزب الدعوة والبيت الشيعي والإطارين السني والكردي، والأكثر أهمية في حديثنا اليوم هو فعاليات العبادي السياسية والإعلامية، مع ملاحظة أن النقد الموضوعي لخطاب العبادي في هذه الحلقة السياسية لا يهدف إلى التقليل من دوره الريادي في إدارة معركة الموصل، رغم أنه ليس قائدا عسكريا ولم ينتظم يوما واحدا في الجيش لكنه قائد سياسي وهو القائد العام للقوات المسلحة، وبذلك يتحمل مسؤولية وطنية عليا أمام الشعب في الهزيمة العسكرية أو في الانتصار. ومن حقه حين يشاهد أمامه سعي رفاقه في حزبه أو خارجه إلى التوظيف السياسي لمعركة الموصل أن يحرك ما يمتلكه من إمكانيات ووسائل لصالح الهدف المطلوب، فالدولة فيها إمكانيات سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية هائلة فمن الذي يمنعه من استخدامها في حملة إقناع الرأي العام وتحضير نفسه لمعركة الانتخابات المقبلة، وهو مدرك بأن مهمته صعبة للغاية إلى حين وصوله إلى ذلك اليوم، فعليه التزامات لا يستطيع القفز عليها من فوق جسر الانتصار العسكري بالموصل رغم أهميته. فأهل الموصل يطالبونه بالكثير ويطلبون منه استرداد أبنائهم المحتجزين في معسكرات الاحتجاز الشبيهة بالمعسكرات النازية للتخلص من تهمة داعش، ويطالبونه بإعادتهم لأطلال بيوتهم التي هدمها القصف الجوي والمدفعي العراقي وقوات التحالف مما أدى حسب الإحصائيات العالمية إلى قرابة أربعين ألف قتيل وآلاف الجرحى. وعلى العبادي مسؤولية رفع تهم الانتهاكات ضد الإنسانية في الموصل أو باقي المناطق المحررة أو في مناطق حزام بغداد والتي طالت بعض أفراد في القوات المسلحة وجهات ميليشياوية. العبادي مهمته صعبة قياسا بقادة الأحزاب الشيعية الأخرى فهم مستعدون للنقد وتحميل المسؤولية فيما لو خسر في تلك المعركة وسيتحمل مسؤولية الخسارة، أما إذا ما ربح فسيقاسمونه إياها وقد لا يتركون له شيئا، لكن بسالة قادة وأبناء القوات المسلحة أعادت الاعتبار لصورة الجيش العراقي، حين استلهمت قيم الجندية العراقية والتاريخ الناصع للجيش العراقي، وقد بدأت حملات التقليل من حجم الانتصار من رفاقه بالحزب والذي يريده العبادي مقفلا له شخصيا مثلما حاول التعبير عنه في خطابه بمؤسسة الشهداء، عندما اعتبر نفسه أكثر قدرة من القادة العسكريين، وأكثر تقديرا من جميع الجهات السياسية داخل وخارج العراق. ومع ذلك كله وبسبب حجم الموصل ومقدار حجم تبعات الهزيمة العسكرية فيها تأتي أهمية الانتصار فيها، وتتفاعل معها مباشرة التبعات السياسية التي ستحصل في العراق والإقليم والمنطقة، ولهذا لا نفاجأ بما يجري من أحاديث وسيناريوهات كثيرة حول استعدادات القوى السياسية المحلية، من بينها من استبق المرحلة الحالية كتسوية عمار الحكيم التي لم تلق الحماسة المطلوبة لأنها لم تلامس طموحات بعض الفرق السياسية الشيعية التي كبرت عسكريا خلال الثلاث سنوات الأخيرة بعد احتلال داعش. تلك القوى التي تعتقد أنها تحتكر التوظيف السياسي للنصر العسكري، كما حصلت خارج البيت الشيعي استحضارات معلولة للقيادات العربية السنية عبر مؤتمرات، سواء في تركيا أو بغداد مع جهات من المحيط العربي، تخشى على المصير المأساوي للعرب السنة في العراق واحتمالات خروجه من عائلته العروبية. لكن صراع المصالح وإدمان النهب هما اللذان يسودان بين تلك الأطراف السياسية السنية، وليس شعار معالجة أزمات نازحي المحافظات أو العمل على تخليص أبناء طائفتهم مما يعانونه من كوارث جماعية ومن احتمالات الدخول في التأجيج الطائفي الذي تلوح بوادره في مناطق عديدة في حزام بغداد أو الموصل أو في المناطق التي لم يتم تحريرها بعد. صحيح أن هذه الفعاليات السياسية من خارج القيادات الشيعية لا تؤثر وفق تقديراتهم على شغلهم الرئيسي في اتفاقهم على عدم خروج الحكم منهم تحت عنوان “حكم الشيعة”، ولا يهمهم من يقول بأن هذا الحكم قد أساء للشيعة، لكن الصراع الخطير هو في عملية زعامة هذا الحكم من داخل البيت الشيعي، ولهذا السبب لا يمكن عزل الأداء السياسي للعبادي عن هذه الظروف. وقد يرى في نفسه القادر على تجاوز إرهاصات النصر في معركة الموصل وتحويله إلى حدث يخدمه شخصيا ويخدم عائلته السياسية الشيعية، رغم أن المعركة ضد داعش ما زالت طويلة وفق تصريحات قيادة التحالف الدولي الأميركية، وكذلك رفاق العبادي نفسه حيث يحاول وفق قاعدته التي يعتقد بموجبها إبقاء شعار “الانتصار العسكري” فوق كل الالتزامات والاستحقاقات السياسية المطلوبة لدرجة التشكيك بالجهات أو الأفراد العراقيين المطالبين بإيقاف الانتهاكات وحماية السنة. وقد توجهنا إليه في مقالة سابقة بجملة مقترحات للخروج من هذه المشكلات، لكن خطابه الأخير في مؤسسة الشهيد تخللته الكثير من الهفوات السياسية التي لا تعفيه من مسؤولياته تجاه شعب العراق ككل وأبناء المناطق العربية السنية بصورة خاصة. ويبدو أنه في حالة مزايدة في التمسك بالطائفية مع رفاقه. فهل يعتقد رئيس الوزراء أنه قادر على تأجيل مسؤولياته حيال الفوضى الأمنية في بغداد كانتشار عصابات جرائم القتل والاختطاف واستمرار حالة الرعب عند المواطنين؟ وهل يستطيع أن يجيب على معاناة أهل بغداد من الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة؟ وهل قدم العبادي مشروعه لتخليص البلد من الأسباب الحقيقية لاحتلال داعش للموصل، والتي لن تكون في مقدمتها الإعلان عن مصادر قيام داعش في العراق واختصارها على عناصر من حزب البعث المعادية لنظام الحكم القائم، في حين أن ما يتم تداوله عن صناعة داعش يحيله كثر إلى جهات استخبارية دولية وإقليمية؟ وهل وضع العبادي اللبنات القوية لسد الثغرات أمام احتمالات عودة داعش بأشكال جديدة؟ ما زالت الفرصة أمام العبادي لكي يحتل مكانة الزعيم الوطني المحب للعراق المستقل، وعنده الكثير من المؤشرات للوصول إلى هذه المكانة المشرفة في خدمه شعب العراق الذي يستحق قليلا من المزايدات الحزبية والسياسية والترضيات على حساب المبادئ الوطنية، ويستحق المزيد من التضحية وإشاعة العدالة من دون تمييز طائفي. كاتب عراقي
مشاركة :