«العرَّاف» عرف من أين تؤكل الكتف بنجوم عطا الله

  • 8/13/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عاود الثلاثي الفنان عادل إمام والمؤلف يوسف معاطي والمخرج رامي إمام التجربة الدرامية للعام الثاني على التوالي في مسلسل "العراف"، بعدما حقق مسلسل فرقة ناجي عطا الله نجاحاً مدوياً العام الماضي، رغم ما قِيل وقتها من نقد وتصيد للأخطاء التي وقع فيها العمل ثم تتكرر الانتقادات نفسها هذا العام أيضاً، في محاولة منهم للوقوف أمام النجاح المدوي للمسلسل لمجرد أن بطل العمل هو عادل إمام. لهذا وجدنا أغلب ما قِيل من قبل يعاد ذِكره مع مسلسل العراف، وتناسوا أن كلتا التجربتين هما مجرد أحداث فنية قابلة للخطأ وليس هناك تجربة فنية متكاملة ولم يحدث أن وجد اتفاق مطلق على عمل من جميع الأطراف مهما توافرت له الظروف، وسنحت له الفرص حتى ولو كان العمل هو رقم واحد، ولكن هيهات فهو الزعيم التي تتسارع الأقلام كي تكتب وتحلل وتنقد وتُفند حتى تخرج من كعكة الدراما الخاصة بعادل إمام ولو بحبة كرز. وعلى الرغم مما قِيل في حق هذا العمل فهو واقع ملموس نشاهده على كافة الأوجه والأصعدة، حقاً المشكلة التي فتحت الباب أمام الأقلام أن العمل جَمع الكثير من الأحداث ووضعها تحت سقف واحد بدون الدخول في عمق الشخصيات التي تجسدها أكثر، فجاءت المعالجة بها بعض من السطحية والقليل من المصداقية فنحن كمشاهدين رأينا كم العبء على عادل إمام كممثل وهو يقوم في كل حلقة تقريباً بأداء شخصية مختلفة كرجل الأمن والسياسي ورجل الأعمال والإنسان البسيط، ولولا تمكنه كفنان مخضرم لكان لسقوطه في أي منهما مردود سلبي كبير على العمل ككل، لقد أبدع بطريقة السهل الممتنع ومثل بشخصيته المعهودة البعيدة عن الأداء النمطي الخالي من الإحساس. كان منطقياً أن يضع المشاهد أداء عادل إمام نصب عينيه مما جعل العمل يدور في فلكه دون سواه، حتى أن الشخصيات الفرعية وعلى الرغم من أدائها وتنوعها ظلمت إلى حد ما في الطرح الدرامي لأن العمل يتمحور حول الشخصية الأساسية، وهكذا هو الحال إلي نهاية المسلسل، ونحن لا نعلم إن كان هذا يحسب له أو ضده وهل نجاحه الفردي يعني نجاح العمل كله أم لا؟ كلها أسئلة مطروحة للنقاش ولكنها ليست أخطاء جسيمة كما يتصورها البعض، ومع ذلك فلن نُنكر حتى الأدوار الصغيرة التي أحدثت علامات مميزة وقام بالتمثيل فيها فنانون مقتدرون أمثال أحمد حلاوة في شخصية زوج الأم البخيل والفنان عبد الرحمن أبو زهرة في شخصية السياسي الغامض والأدوار التي قام بها رجال الأعمال، التي ظهرت في الحلقة الأولى تلك الحلقة التي سببت إزعاج واستياء للكثيرين وبالتحديد نصف الساعة الأول منها بسبب البذخ والترف الذي ظهر في الحفل الصاخب، وأجزم الكثيرون من رواد مواقع التواصل بأنه ليس مقنعاً وليس له مكان في العمل كونه يمثل طبقة مترفة وأن المشاهدين ليسوا بحاجة لأن يروا هذا الحال حتى وإن كان مشهدا تمثيليا في هذه الظروف التي تحيط بنا، حتى أنهم قالوا إنها أسوأ نصف ساعة في تاريخ الدراما وهذا خطأ كبير رُوج له بطريقة خالية من النقد البناء وعدم إدراك لما يريد المخرج إيصاله للمشاهدين، وذلك عن طريق ربط هذا الواقع المترف بحياة العشوائيات ليذكرنا بحادثة شهيرة وهي وقوع صخور جبل المقطم على مساكن الدويقة منذ سنوات، التي راح ضحيتها عديد من الأفراد آنذاك. هذه الأحداث المبدئية كانت مدخلاً للمخرج ليُقنعنا لاحقاً بما سيفعله الفنان عادل إمام عن طريق النصب ليساعد الفقراء بمال الأغنياء الذي يأخذه منهم التي جعلت المشاهدين يكنون الحب لتلك الشخصية، بل يتعاطفون معها ويتذمروا عند الإمساك بها على الرغم من كونه نصابا وأغلب تلك الشخصيات يكون نصيبها الأحجام والرفض من قِبل المواطن، ولكن الثلاثي إمام الأب والابن والمؤلف يوسف معاطي وضعوا رؤية للعمل جعلت منه مُتقن إلى حد كبير حتى وإن كانت أحداثه فيها شيء من المط والتطويل بدون داع، ولكننا وجدناهم وكأنهم وجدوا ضالتهم في العمل سوياً مع بعضهم البعض فظهر تناغم واضح أثناء العمل وشعرنا بأريحية على وجوه الفنانين، وكأن هذا الثلاثي وصل في تجربته الثانية إلى حد الفهم المطلق، فهل سنجد فيما بعد اتحادا فنيا دائما أم سيكون هناك انفصال؟ وهل سنرى أعمالا تُبصر النور بالمستوى نفسه وماذا سيقول النقاد حِينها؟ وهل ستكف الأقلام عن الكتابة ويبتعدوا عن إلصاق الأخطاء بالأب والابن وعملهم سوياً؟ مؤكد لا فالزعيم وأعماله مادة دسمة ولا بد من وضعها دائماً تحت دائرة الضوء، فهو ذو شخصية جدلية تعشق دائماً الإسقاطات السياسية التي يُصغي لها البسطاء لأنه يقدمها بطريقة تلائمهم إلى حد القرب منهم، ولو تطرقنا قليلاً وهممناً بدخول عالم العراف الدرامي فسنجد العمل يشبه إلى حد كبير فيلم catch me if you، الذي قدم فيه الممثل ليوناردو دي كابريو هذا الدور وقدم توم هانكس دور الضابط، وهنا كانت المفارقة بين العملين مما يدل على أن هناك أزمة في الأفكار الدرامية على الساحة الفنية، فلقد أثبتت تجربة مسلسل العراف أن تلك الأفكار والمواضيع المقتبسة التي شاهدنا منها الكثير من قبل بعد تعريبها، كان لها مردود واسع فما العيب إذاً في ذلك طالما ابتعدنا عن الابتذال والأفكار الهدامة والدليل أن المعالجة الجيدة للعمل فرضت نفسها. السؤال هنا: هل نجح المؤلف في إيصال الفكرة؟ مؤكد أنه حاول جاهداً ووضع للعمل خطوط متشعبة ودخل في عوالم البناء الدرامي ليجعل المشاهد يرى في الأبطال نفسه عندما استعان بشخصية الابن المتدين الوقور والابن التاجر المتلاعب والابن المناضل الثوري الذي يحاول أن يبتعد عن طبقته الاجتماعية ليختلط بالفقراء، وأتى لنا بالبنت المغلوبة على أمرها التي تذكرنا بمقولة حزب الكنبة والابن الضابط الذي رَبته والدته وأثرت فيه سلباً تجاه والده، ولكنه سرعان ما توافق وتصالح مع أبيه وإخوته، التي أبعدنا فيها المؤلف عن العدائية الكامنة دائما بين الإخوة غير الأشقاء، فقد وضع تركيزه على النقاط المشتركة وجعل حب الأب هو المسيطر عليهم طوال الحلقات وأخرجهم من دائرة الصراع المعتادة، ومع كل ذلك جاء المخرج ليبهرنا بالجو والملامح المميزة لكل محافظة من المحافظات المصرية التي نشأ فيها الأبناء من الوجه القبلي إلى البحري وحتى مدن القناة، إنه حقاً قدم توليفة تمثل كل أطياف المجتمع ربما لم يستوعبها الكثيرون لسرعة الحكم من منطلق اصطياد الأخطاء التي أفرزت نقاطا ربما لها تأثير ولكنها سطحية وبعيدة عن ملاحظات الناس البسطاء التي تشاهد وتتابع أعمال الزعيم، وأبرز تلك الملاحظات اللكنة البورسعيدية التي أداها الفنان أحمد فلوكس بطريقة مبالغ فيها، وأيضاً السيجارة التي لازمت الفنان حسين فهمي طوال الحلقات على الرغم من دوره الرائع الذي جسده بطريقة كانت متوازنة بجوار الزعيم، والأدهى من ذلك هو دور الفنان طلعت زكريا البسيط الذي لم يجعله يعطي الكثير من مؤهلاته التمثيلية. أما الحلقة الأخيرة من العمل فكانت تحتاج لأكثر من ذلك الوقت الذي عرضت فيه لأن التطرق فيها لعديد من المواضيع جعلها شيقة وتحتاج إلى سرد أكثر للأحداث من محاولة اغتياله ثم انسحابه من الترشيح للرئاسة مقابل المال مروراً بموته بجوار صاحبه ولم نعلم السبب في موت صديق عُمره لضيق الوقت، وبعدها سرق البنك المركزي وكيف عمل فيه موظفا وأخيراً مشروع النهضة الذي قدمه لرجال الأعمال في النهاية، كل تلك الأحداث رافقت الحلقة الأخيرة عكس باقي الحلقات التي انتابها المط بدون داع، لكن تبقي أعمال الزعيم عادل إمام جميلة فيها الفانتازيا والكوميديا والدراما والحوارات الساخرة والإسقاطات السياسية اللاذعة التي ظهرت في هذا العمل وبالتحديد في الحلقة الأخيرة عندما مدح لرجال الأعمال المصاحبين له مشروع النهضة الوهمي، وألحقها بمقولته الشهيرة في المسلسل "ليمون بالنعناع" والجميع يعي ما هو مشروع النهضة أما الليمون بالنعناع هو ما لازمه في الحلقات عندما كان يريد النصب على أحدهم فيقدم له مشروب الليمون بالنعناع، في النهاية هذا العمل في مجمله جيد، وعلى الثلاثي الزعيم والمؤلف والمخرج التحضير لعمل يوازي نجاح فرقة ناجي عطا الله والعراف حتى نكون على موعد مع الزعيم كل عام كما عودنا منذ العام الماضي.

مشاركة :