موت اليسار الأوروبي بقلم: حسونة المصباحي

  • 7/2/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

فقدت الأحزاب الاشتراكية الأوروبية البوصلة وأصبحت تلهث وراء الأحداث المتسارعة بحثا عن الحقيقة التي تتوارى دائما وأبدا وعنها تبتعد مثل السراب. وهذا ما يفسّر الهزائم التي تعيشها راهنا والتي قد تؤدي بها إلى الانهيار.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/07/02، العدد: 10679، ص(15)] الهزيمة المرة التي مُني بها الاشتراكيّون الفرنسيّون في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة الأخيرة، دفعت وسائل الإعلام إلى تعميق الجدل حول الضعف السياسي والتنظيمي الذي أصبحت تعاني منه الأحزاب الاشتراكية الأوروبية، وحول ذبول أطروحاتها الفكرية. لذلك لم يعد لها هدف سوى العمل على الحفاظ على ما تبقّى لها من النفوذ السياسي والأيديولوجي الذي كانت تتمتع به في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي. فخلال تلك العقود لعبت هذه الأحزاب أدوارا خطيرة على جميع المستويات. وكانت تقودها شخصيات سياسية تتمتع بالحنكة وبالكاريزما وبالقدرة والمهارة الفائقة على مواجهة الخصوم الفكريين والسياسيين. وهذا كان حال الزعيمين الألمانيين فيلي براندت وهلموت شميدت والفرنسي فرنسوا ميتران والإسباني فيليب غونزاليس. أما القادة الجدد للأحزاب الاشتراكية الأوروبية فقد أثبتت التجارب أنهم دون مستوى الزعامات القديمة. كما أثبتت أنهم متقلبون ومترددون في أفكارهم وفي مواقفهم. وهم يخشون خوض المعارك السياسية والفكرية ضدّ خصومهم. وحتى وإن خاضوا البعض من هذه المعارك فإنهم سرعان ما ينسحبون منها مُهانين أذلاّء. بل إن البعض من الزعامات الإشتراكية الجديدة أصبح يتعاطف مع الأطروحات اليمينية التي كان بالأمس القريب يحاربها بشدة. وهذا ما فعله الاشتراكي البريطاني توني بلير عندما تحالف مع جورج دبليو بوش في الحرب ضد العراق. ومؤخرا أصدر الإيطالي رافائيل سيومي كتابا بعنوان “الوحش اللطيف: هل ينزع الغرب إلى اليمين؟”. وفي هذا الكتاب الذي لا يزال يثير جدلا ساخنا يتحدث مؤلفه، وهو لغويّ لامع، عن “موت اليسار الأوروبي” مُتسعينا في ذلك بالمفكر الفرنسي ألكسي دوتوكفيل الذي تحدث في كتابه الشهير “الديمقراطية في أميركا” عن “الهيمنة الجديدة”. وهذه “الهيمنة” تتسرّب إلى الحياة الشخصية للناس بطريقة “لطيفة”. وهي”تُفسدهم” رغم أنهم كانوا قد خاضوا معارك ضارية من أجل الحرية لتحوّلهم إلى أناس خاملين متشابهين يتحركون من دون أن يتمكنوا من الحصول على وقت للاستراحة، أوعلى ملذات بسيطة وتافهة. وتحت سيطرة هذه “الهيمنة اللطيفة” يصبح كلّ واحد من هؤلاء الناس وكأنه “غريب عن مصير الآخرين”. ويرى رافائيل سيوم أن الأحزاب اليمينيّة تستعمل راهنا هذه” الهيمنة اللطيفة” لترويض الجموع والسيطرة عليها وجلبها إلى صناديق الاقتراع لتصوت لصالحها. لذلك ينعتها بـ”الوحش اللطيف”. وهو يعتقد أن الأحزاب اليمينية الأوروبية أدركت أن العصر الآن هو عصر الاستهلاك الجنوني وعصر الفردانيّة وإنهيار القيم التي تحرّض على التضامن والتفاعل بين الناس. وهو أيضا عصر الأنترنت والفيسبوك والشركات الإعلامية الضخمة. وفي مجتمعات اليوم أصبح كلّ واحد يرغب في المحافظة على مصالحه الخاصة. ومن أجل ذلك، هو يستسلم استسلاما كاملا لـ”الوحش اللطيف” الذي يقوده إلى حيث يشاء وإلى حيث يريد، إذ أنه لم يعدْ إنسانا له الحق في التفكير وفي الإختيار، وإنما أصبح كائنا مطيعا يتقبل الهيمنة مقابل الحصول على ما يُنعم به عليه المجتمع الإستهلاكي. وأمام تحولات سريعة ومتتالية ومرعبة أيضا فقدت الأحزاب الاشتراكية الأوروبية البوصلة وأصبحت تلهث وراء الأحداث المتسارعة بحثا عن الحقيقة التي تتوارى دائما وأبدا وعنها تبتعد مثل السراب. وهذا ما يفسّر الهزائم التي تعيشها راهنا والتي قد تؤدي بها إلى الانهيار. كاتب من تونسحسونة المصباحي

مشاركة :