الكتابة الشعرية مرجل يغلي لا غطاء له ولا يتلاشى بُخاره بقلم: حسونة المصباحي

  • 11/25/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الكتابة الشعرية مرجل يغلي لا غطاء له ولا يتلاشى بُخاره عرفت الساحة الأدبية التونسية العديد من الحركات جاءت خليفة لـجماعة تحت السور، أولاها كانت حركة الطليعة التي اقترحت الالتصاق التام بالواقع في الكتابة لتليها حركة التسعينيين. العرب التقت الشاعر التونسي المنصف الوهايبي الذي ينسب إلى الطليعيين وكان لنا معه حديث حول الشعر والحركات الأدبية التونسية. العربحسونة المصباحي [نُشرفي2016/11/25، العدد: 10466، ص(15)] مهمة الشاعر المعاصر شاقة جدا ينتسب المنصف الوهايبي إلى جيل “الطليعة الأدبية” التي تشكلت في أواسط الستينات من القرن الماضي، مبشرة بأنماط جديدة في الكتابة النثرية والشعرية والرؤى الفنية خصوصا في المسرح والسينما. ورغم تحمسه لأطروحات تلك الحركة، فإنه رفض الانسياق إلى ما دعا إليه ما سُمّي في تلك الفترة بـ”جماعة في غير العمودي والحر”، مظهرا نفورا من سطحيتها، ومن شعبويتها، ومن لغتها الركيكة، ومن استعاراتها الهزيلة. مرجل يغلي استقبلت تجربة الوهايبي في تلك الفترة بالكثير من التقدير والإعجاب من قبل من كانوا رافضين لحداثة معطوبة وشكلية. وخلال السبعينات، اختفى المنصف الوهايبي من المشهد الثقافي والشعري مثل الكثيرين من أبناء جيله الذين تركوا الأدب لينشغلوا بالسياسة، أو بغير السياسة كما هو حاله إذ أنه هاجر إلى ليبيا ليعمل مدرسا هناك. وفي مطلع الثمانينات، ظهر المنصف الوهايبي من جديد ضمن مجموعة من الشعراء أطلقت عليهم تسميات مختلفة منها “جماعة القيروان”. وما كان يجمع بينهم هو الانتصار لكتابة شعرية مناهضة للموجة الواقعية الموروثة عن فترة حركة الطليعة الآنفة الذكر. وفي تجربته تلك، بدا المنصف الوهايبي مُنجذبا إلى التجربة الصوفية القديمة، كما إلى تجارب شعراء غربيين، خصوصا الى سان-جان بيرس. وقد أصدر العديد من الدواوين الشعرية في هذا المنحى. وفي التسعينات من القرن الماضي، اختار المنصف الوهايبي طريقة خاصة به لا تغيب عنها تأثيرات شعراء عرب معاصرين، خصوصا سعدي يوسف. يبدأ المنصف الوهايبي حديثه عن “جماعة القيروان” وتأثيرها قائلا “جماعة القيروان أو ‘مملكة الفتية الشرسين’، أو ‘التّجربة الصّوفيّة’ أو ‘الشعر الكوني’ محاولة منّا أنا ومحمّد الغزّي وبشير القهواجي وخالد النجّار وعلي اللواتي، للخروج بالشعر التونسي من هيمنة الأيديولوجيا والعودة به إلى رحم اللغة. ثمّ تقطّعت بنا السبل وذهب كلّ في حاله، وأقول إنّها كانت بمثابة استعارة كتابيّة كبرى كنتُ قد قدّرتُ وقتَها أنّها تسمح بمسافة متميّزة عن الخطاب الشّعريّ الذي كان سائدا آنذاك في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. لكنّ مسوّغا لا محيد عنه يدفعنا إلى استعارة آليّات الخطاب الصّوفيّ وأسلوبه في التّرميز والتّكثيف. وهذا ما لم يقدّرْهُ حقَّ قدْرِه خطابُ ‘الالتزام’ في الشّعر الذي كان مهيمنا في تلك الفترة”. لكن الوهايبي تجاوز اليوم المرحلة التي يسمها البعض بـ”الصوفيّة”، كما يقول، فهو لا يحبّ، في حقيقة الأمر، أن يحشر نفسه في مدرسة، أو حساسيّة شعريّة بعينها. وكان طموحه دائما أن يكون جزءا من المشهد الشعري العربي، ولعلّه وُفّق في هذا إلى حدّ كبير. الشعر خليقة من موارد شتى وحشد من الأجناس والنصوص من أزمنة مختلفة تتقاطع وتتجاور مع أزمنة الذات الشاعرة يتابع الوهايبي “لكن ذلك لا يعني أيضا أنّ تجربتي الشّعريّة خارج كلّ تسييج. ولا يجوز لي، في واقع الأمر، أن أنوب عن غيري في ما يخصّ هذا ‘التّصنيف’ أو ذاك لهذه التّجربة. على أنّي أقول بأنّي كنت دائما أحرص على أن يكون نصّي في سياقه التّاريخيّ، لا فقط بمعنى أنّه يؤرّخ لزمانه أو يشهد عليه، وإنّما بمعنى أنّه يصدر عنه في لغته وبلاغته. صحيح أنّ اللّغة، وبخاصّة الشّعريّة مثقلة بذاكرة الشّعر العربيّ وهذا يطرح على الشّاعر المعاصر مهمّة جدّ شاقّة وهي أن يتقصّى عن زمنيّة ‘شعريّة’ يتجاوز بها الزّمان التّاريخيّ القديم للقصيدة العربيّة القديمة، ويغادر بفضلها أيضا زمانه هو، ليكون في الصميم من هذه التيّ أسمّيها “الزّمنيّة الشّعريّة”، أي الزمنيّة التي نرى ضمنها إلى القصيدة العربيّة القديمة من داخلها، لأنّ ذلك الدّاخل نحن الذين نجعله كذلك، أمّا قبل ذلك فهو سطح أبكم. وأزعم أنّ هذا ما حاولتُ القيام به في قصائد غير قليلة في مجموعتي ‘بنات قوس قزح’ أو في كتابي الصادر حديثا ‘السوريّون”. ما لا يقوله الشعر لا يعتبر المنصف الوهايبي نفسه شاعرا تراثيّا، ولا حتّى مجدّدا للتّراث، فقط يعتبر نفسه شاعرا حاملا لهموم الحداثة، بل يسعى إلى أن يكون مسهما، مع غيره، في رفع لواء الحداثة. ويقدّر ضيفنا أنّ هذا ما جعل نصوصه تلفت انتباهَ كبارِ الشّعراء والكتّاب العرب على غرار محمود درويش وسعدي يوسف وأحمد عبدالمعطي حجازي ومحمّد بنّيس وغيرهم ممّن كتب عنها مثل المستشرق سيموني سيبولي في إيطاليا. وربّما وجد فيها بعضهمْ رؤية جديدة للشّعر تعتبره خليقة من موارد شتّى وحشدا من الأجناس والنّصوص من أزمنة مختلفة تتقاطع أو تتحاور أو تتجاور، مع أزمنة الذات الشّاعرة، جدلا بين الدّاخل والخارج، بين الاتّجاهات والرّؤى، كما يلفت ضيفنا. يقول الوهايبي “إن الكتابة الشّعريّة ورشة كبرى مفتوحة على موارد شتَّى وتجسيد لأجناس مختلفة وتشبيك بين نصوص متباينة الأزمنة والأنساب تتعالق في ما بينها على نحْو ملتبس، فهي متماهية من حيث هي، في الوقت نفسه متجاورة، من حيث هي، في الوقت ذاته أيضا متحَاورة. ومن حيث هي في الوقت ذاته تتفاصلُ ليتجاوز بعضها بعضا. أقول، إذن، إنّ الكتابة الشّعريّة مرجل يغلي لا غطاء له ولا يتلاشى بُخاره”. الكتابة الروائية محصلة أنا أخرى غير التي نظهرها في عاداتنا أو في المجتمع، ولا يمكننا أن نفهمها إلا في أعماقنا وحدها يرى الشاعر أن جائزة نوبل التي أسندت منذ أيّام إلى المغنّي الشاعر بوب ديلن تؤكّد مهما يكن اعتراض البعض عليها، أنّ هناك مراجعات متتالية لمقولة “الجنس”، فلم نعد نطمئنّ كثيرا لما استقرّ من تصنيفات اقتضتها دوافع في أحيان كثيرة، دوافع أيديولوجيّة، وأحيانا تبسيطيّة. قد لا تكون هناك حدود جليّة وقطعيّة. لكنّ ذلك لا يعني الدّعوة إلى كتابة سائبة تخبط هنا وهناك. صحيح أنّ التّهجين ضرورة حداثيّة في الكتابة وصحيح أنّ التّراشح بين الخطابات والأجناس يوفّر دفقا تجديديّا للكتابة الإبداعيّة نفسها؛ إلاّ أنّ ذلك لا يعني، بالمقابل، انتفاء تخوم الأجناس، وإنّما يعني “رسمها” على نحو رخْوٍ مرِنٍ هو، في الواقع، أمارة قوّتها لا ضعفها. المنصف الوهايبي من الشعراء الذين غامروا بكتابة الرواية، يعلق على ذلك قائلا “لأقلْ بكلّ وضوح إنّي لست روائيّا، على حبّي للرواية وشغفي بقراءتها والإفادة منها. وما كتبته هو ثلاث محاولات سرديّة أو روائيّة: ‘عشيقة آدم’ و’هل كان بورقيبة يخشى حقّا معيوفة بنت الضاوي’ و’ليلة الإفك’. والأولى أعدّها ‘رواية فيسبوكيّة’ على قلق هذا المصطلح الذي لم يستقرّ بعد. وشرعت في الرابعة ‘جمهوريّة جربة’، وهي فضاءات تقول ما لا يقوله الشعر. ولكلّ جنس خصائصه وأساليبه وعوالمه، لذلك أراوح أحيانا تجريب هواجسي الإبداعيّة وقناعاتي ورؤاي بين الشعر والرواية، لكنّني شاعر قبل كلّ شيء. والمشترك بينها جميعا، إضافة إلى ما أشرت إليه، هو أنّ الكتابة تنهض على بحث في الأشياء والأسماء، وتهجّ في الجغرافيا والتاريخ معا، إنّها تنويعات يطيب لي أن أمارسها”. يتابع “وباختصار فإنّ هذه ‘الروايات‘ تنضوي تحت ما يُسمّى بـ‘الروايةـ السيرة’، وهذا مصطلح جديد يفد بقوّة على أدبنا، أو هو مبتكر أو مستحدث. وقد ظهر في الغرب، في سبعينات القرن الماضي، وكان سارج دوبروفسكي، وهو جامعيّ وكاتب، أوّل من استعمله، وترجمته بـ’التخييل الذاتي’ غير دقيقة، بل لا أتردّد في نعتها بـالخاطئة؛ فهو نحت أو تركيب أشبه بتوليف جمعيّ إذ يجمع بين السيرة الذاتيّة والرواية”. يلفت الوهايبي إلى أن الكِتابة الروائيّة محصّلة أنا أخرى غير التي نظهرها في عاداتنا، أو في المجتمع. وإذا سعينا إلى فهم تلك الأنا فإنّما في أعماقنا وحدها نستطيع أن ننفذ إليها، ونحن نحاول أن نبتعثها فينا. :: اقرأ أيضاً الكاتبة العمانية ليلى البلوشي تضيء القصص بكائنات الهامش الذات والتاريخ في الملتقى العربي الأول للرواية بالمغرب أركون الذي أفصح عما سكت عنه الآخرون لوحات تخاطب العين ولا تصل إلى القلب

مشاركة :