غموض يكتنف مرحلة ما بعد داعش في العراق بغداد – لا تبدو مرحلة ما بعد داعش واضحة الملامح في المدى الزمني المنظور. فكل ما يجري اليوم في العراق إنما يمتّ بصلة إلى محاولات الأطراف كلّها استغلال الفراغ الذي حدث بتأثير تداعيات ظهور داعش والقضاء عليه. فراغ لم تنج الحكومة من تأثيراته حين بدت ضعيفة في مواجهة الحشد الشعبي كما لم تعد الشخصيات السياسية السنيّة التي تمّ تكريسها من قبل النظام تحظى بالقبول القديم على المستوى الشعبي. وهو ما سينعكس على انتخابات 2018. يومها سيكون ممكنا الحديث عن مرحلة ما بعد داعش. وتبدي الأطراف السياسية في العراق اهتماما استثنائيا بما صار يسمّى بمرحلة ما بعد داعش. غير أن اللافت أن أحدا من تلك الأطراف لم يقدم رؤيته السياسية لتلك المرحلة. ويشكل بقاء الحشد الشعبي الذي تأسس بعد احتلال الموصل من قبل داعش، مشكلة اقتصادية وعسكرية للحكومة العراقية، فهو يستحوذ على نسبة توازي ميزانية الجيش الرسمي، فضلا عن مهامه السياسية وارتباط غالبية فصائله بإيران تمويلا وتوجيها وتدريبا. وقال ضابط عراقي كبير تولّى منصبا رفيعا في وزارة الدفاع العراقية قبل عام 2003 “إن الحشد أصبح قوة رسمية بقانون وهو منجز إيراني وتدين أغلب فصائل وقيادات الحشد بالولاء إلى المرشد الإيراني علي خامنئي ويشرف عليها النظام المخابراتي المتمثل بفيلق القدس وقائده قاسم سليماني”، مذكرا بزيارة العبادي الأخيرة إلى طهران وتحذير خامنئي له من إضعاف قوة الحشد، معتبرا أن المساس بالحشد سيزلزل بغداد. وأكد في تصريح على أن الحشد الشعبي يشكل ما بعد مرحلة داعش تهديدا خطيرا للأمن والسلم الأهليين وستكون له تداعيات على المشهد السياسي والانتخابات المقبلة، مبديا اعتقاده بأن إنهاء الحشد بقرار حكومي ليس سهلا ولا بد من اتّباع خطوات مبرمجة لإنهاء هذا الموضوع. وتسعى الأطراف السياسية إلى التحقق من حجم تمثيلها في تلك المرحلة التي لا يزال تقسيم الأدوار فيها غامضا، بسبب الصراع على مواقع النفوذ بين أطراف المكوّن الحزبي نفسه. فالتحالف الوطني الحاكم وهو ائتلاف الأحزاب الشيعية منقسم على نفسه في مواجهة الموقف الواجب اتخاذه من مسألة المشاركة السنيّة في الحكم، حجمها ونوعها والشخصيات السنية التي لا تزال موضع ثقة بالنسبة إلى إيران أولا والتحالف ثانيا. أما المعسكر السنّي الذي عرف بتشظي موقفه من العملية السياسية برمّتها فإن هناك محاولات تبذل لإعادة إنتاج الرموز الطائفية التي تم استبعادها أو إخفاؤها بذريعة القبول الذي تحظى به تلك الرموز على المستوى العربي وهو ما يساعد على جذب الاستثمارات في المناطق المدمرة. وكما يبدو فإن تلك المحاولات لا تزال تصطدم بالحظر الذي فرضه صقور المعسكر الشيعي على الانفتاح عربيا. وإذا ما كان خطر داعش بدأ بالغياب من يوميات الإنسان العراقي العادي فإن الخراب الذي لحق بالموصل وهي كبرى المدن السنية سيترك تأثيرا مخيبا للآمال وسوداويا على المشهد. ذلك أن لا أحد من دعاة المشاركة السنيّة في الحكم سيجرؤ على الإفصاح عن حجم الخسائر البشرية والمادية التي نتجت عن عمليتي استيلاء داعش على الموصل وتحريرها. فلقد دفعت مدينة الحدباء الثمن مرتين. مرة حين سُلّمت إلى داعش في سياق خطة مدبّرة ومرة أخرى حين تمت استعادتها من التنظيم الإرهابي. على صعيد آخر فقد كان أمل الزعماء الأكراد وكلهم من دعاة انفصال الإقليم الكردي عن العراق كبيرا في أن تسمح القوى الإقليمية وبالأخص تركيا وإيران بإعادة رسم حدود إقليمهم من خلال قضم المزيد من الأراضي التي سمّيت بالمتنازع عليها مستغلين قيام البيشمركة بتحرير تلك الأراضي من قبضة داعش. وكان الاستفتاء الموعود هو محاولة لجس النبض. غير أن ردود الأفعال لم تكن مشجعة لذلك خفتت حماسة أولئك الزعماء وصارت أصواتهم لا تُسمع في انتظار ما يمكن أن ينتج عنه الصراع الشيعي-الشيعي من جهة ومن جهة أخرى الصراع السنّي-السنّي. sarab/12
مشاركة :