السلام مفقود في جنوب السودان: تجربة لا تشجع على تكرارها بقلم: خالد حنفي

  • 7/4/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

السلام مفقود في جنوب السودان: تجربة لا تشجع على تكرارهايستقبل العالم الذكرى السادسة لإعلان استقلال دولة جنوب السودان وعينه على ما يجري في مناطق عديدة أهمها الشرق الأوسط حيث النزعات الانفصالية على أشدها. فشل جنوب السودان في أن يكون نموذجا مثاليا يدعم تلك النزعات بل إنه تحول إلى مصدر قلق ونموذج يحث دول العالم على تجنب تكرار تجربة هذه الدولة التي ظهرت بفعل الضغوط الدولية وهي تحمل بذور الاضطراب ولم تعرف الاستقرار منذ انفصالها.العرب خالد حنفي [نُشر في 2017/07/04، العدد: 10681، ص(6)]خطوات لا تعرف التحرك خارج نطاق الحرب بعد مرور ست سنوات على انفصاله عن الشمال في التاسع من يوليو 2017 مازال جنوب الســـودان رهين منطق الحـــرب والقبلية والصراع على السلطة ضمن مشهد يقدم مثالا لا يحتذى به لدعم النزعات الانفصالية المتصاعدة خصوصا في الشرق الأوسط. تتكاثر الانقسامات في جنوب السودان حتى داخل كتله الإثنية التي تبدو ظاهريا متماسكة، لذلك أضاف الإعلان عن حركة تمرد جديدة في صفوف قبيلة الدينكا التي ينتمي لها الرئيس سلفا كير عنصرا جديدا للصراع الأهلي، خاصة وأن تلك الحركة التي أطلقها إبراهام مجاك ملياب النائب البرلماني السابق تحت مسمى الجبهة الشعبية للإصلاح الديمقراطي في يونيو الماضي دعت إلى الإطاحة برئيس البلاد بقوة السلاح، متهمة إياه بـ”الفاسد والمستبد”، وطالبت بتوحيد القوى والحركات المسلحة التي تحارب حكومة جوبا. تكتسب تلك الحركة الجديدة تأثيراتها في المشهد الصراعي من أنها أول انشقاق سياسي وعسكري داخل الدينكا المهيمنة على هياكل السلطة والحزب الحاكم (الحركة الشعبية لتحرير السودان) والبرلمان والجيش، والأهم أنها طرحت مشروعا سياسيا بديلا للنظام القائم. وتحدث بيان مؤسسها ملياب عن إقامة نظام ديمقراطي يستوعب القوى المتنازعة، عبر تقسيم البلاد إلى أربع مناطق سياسية وإثنية (إقليم الاستوائية، مجموعتي الدينكا والنوير، مجموعة اللوا في غرب البلاد، ومجموعات تعيش في شرق البلاد مثل الشلك والأنواك)، ويتم تداول السلطة في ما بينها بالتناوب كل 8 أو 10 سنوات لوقف دائرة العنف العرقي. على الرغم من أن ردود فعل القوى الجنوبية المعارضة لم تتضح إزاء التمرد الجديد، إلا أن أطروحات الأخير تعكس المعضلة المزمنة ذاتها التي يعاني منها هذا البلد قبل الاستقلال وبعده، حيث طغيان العامل الإثني على التفاعلات السياسية والعسكرية أو حتى طرح تسويات سياسية ذات طابع هجين تتراوح ما بين بناء نظام ديمقراطي حداثي يتأسس على حكم القانون والتعددية والمساواة، وتكريس الانتماءات الإثنية. لا يقيم طرح الجبهة الشعبية للإصلاح الديمقراطي اعتبارات كافية للواقع الصراعي المعقد لجهة العداوات المتراكمة بين القبائل في جنوب السودان أو طبيعة تركز الثروة النفطية في مناطق النوير وطبيعة الجيش الشعبي الذي أسس على ولاءات قادة مناطق ولوردات حرب سابقين، وإن هيمنت عليه الدينكا، أضف إلى ذلك أن خبرات تقاسم السلطة وتداولها مناطقيا لم تتقبلها الخبرة الجنوب سودانية، ولو جزئيا، كما حال اتفاق أغسطس 2015 بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار الذي تعثر عند عتبة تنفيذ توزيع مناصب الحكومة، بخلاف البنود الأمنية.الانشقاقات القبلية عنصر ضغط جديد على الرئيس سلفا كير وترخي بظلالها على توازن الضعف بين القوى المتصارعة فرقاء المعارضة اقتراح حركة التمرد الجديدة تقسيم البلاد إلى أربع مناطق يتم تداول السلطة في ما بينها ليس بالأمر اليسير تطبيقه حتى لدى فرقاء المعارضة، لا سيما وأن تلك النوعية من الأطروحات تحتاج إلى قابلية سياسية ومجتمعية تتسم بقبول الآخر، وهو أمر ليس متوافرا بفعل تعثر المصالحات القبلية وغياب التوزيع العادل للموارد، علاوة على الانقسامات داخل المناطق المشار إليها أساسا. لعل محاولة التمثيل الإثني في السلطة لم يكتب لها النجاح عند الاستقلال، رغم محدوديتها وتركزها في نخب بعينها، فالرئيس سلفا كير الذي يتكئ على هيمنة قبيلته الدينكا، نحو 40 بالمئة من سكان البلاد، استحضر النوير في السلطة (ثاني أكبر القبائل) عبر نائبه السابق رياك مشار، وباغان أموم الأمين العام السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان من قبيلة الشلك، في محاولة لإظهار وجه تعددي للسلطة، لكن ذلك لم يحل دون نشوب الصراع. وأقال سلفا كير مشار في يوليو 2013 عقب مخاوف من منافسة مشار له على منصب الرئاسة، ما أدى إلى تفجر الحرب في ديسمبر من العام ذاته، كما اعتقل باغان أموم ومعه عدد من كبار قادة الحركة الشعبية، ولم يفرج عن بعضهم إلا في العام 2014 في سياق ضغوط خارجية قوية حاولت تمهيد الطريق لتسوية سياسية مستقرة. ولم تفلح اتفاقية تقاسم السلطة في أغسطس 2015 في وضع حد لذلك الصراع، وبرغم عودة مشار آنذاك إلى جوبا وإلى منصبه كنائب للرئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية في أبريل 2016، إلا أن ذلك الاتفاق الذي تحفظ سلفا كير على بعض بنوده، تم توقيعه وسط تهديدات من مجلس الأمن بفرض عقوبات، وأطروحات أخرى تتحدث عن وصاية دولية، على غرار تجربتي كوسوفا وتيمور الشرقية. تجددت المواجهات في يوليو 2016، ليخرج على إثرها مشار من البلاد، ويتم إجباره على الإقامة في جنوب أفريقيا دون توقف العنف، خاصة وأن قبائل النوير تحالفت مع قبائل أخرى معادية للدينكا، ومنها مثلا الفراتيت ليشكلا أساسا للمعارضة المسلحة التي نازعت نظام سلفا كير على السيطرة على المدن النفطية، والتي تشكل بدورها عاملا محوريا مضافا إلى البعد الإثني في تأجيج الصراع. بغض النظر عن مدى واقعية خطاب الجبهة الشعبية للإصلاح الديمقراطي من عدمه لطبيعة الصراع في هذا البلد، غير أن توقيت الإعلان عن تلك الحركة يضيف ضغوطا متراكمة على نظام سلفا كير، وواجه هذا الأخير خلال النصف الأول من العام 2017 استقالة عدد من كبار جنرالاته في الجيش الشعبي، متهمين إياه بالتورط في التطهير العرقي، كما أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا. في هذا الخضم تضغط بعض القوى الدولية على سلفا كير للقبول بإنفاذ قرار مجلس الأمن رقم 2304 (12 أغسطس 2015)، والذي يقضي بتشكيل قوة حماية إقليمية قوامها أربعة آلاف عنصر أممي للإشراف على وقف إطلاق النار والترتيبات الانتقالية، بناء على طلب من منظمة الإيجاد، لتتم إضافتهم إلى بعثة قوات حفظ السلام الأممية (يونميس).في مواجهة الضغوط المتراكمة، عمد سلفا كير إلى الاحتواء والمناورة، وبالإضافة إلى تحالفه مع بعض رموز النوير توازن الضعف في مواجهة الضغوط المتراكمة، عمد سلفا كير إلى الاحتواء والمناورة، وبالإضافة إلى تحالفه مع بعض رموز النوير. ما يساعد سلفا كير على ذلك، هيمنة صيغة توازن الضعف على ديناميات الصراع بالنظر إلى أن المعارضة ذاتها تعاني انقساما، فمثلا رفضت ريبكا، أرملة جون قرنق الزعيم الراحل للحركة الشعبية لجنوب السودان، أي حديث عن وصاية دولية، معتبرة أن الحل يكمن في تنحي سلفا كير وتوحيد الحركة الشعبية، برغم تأييد باغان أموم لطرح الوصاية كوسيلة لتغيير النظام، كما أن جهود كمبالا في مايو 2017 لتوحيد الحركة الشعبية المنقسمة باءت بالفشل. ويعول رئيس جنوب السودان على قوى خارجية مساندة له، مثل الصين وروسيا وأوغندا ومصر، فبكين باتت لاعبا رئيسيا في جوبا، إذ لا تشارك وحسب في قوات حفظ السلام الأممية، وإنما صارت شريكا تجاريا ونفطيا أساسيا لحكومة جوبا. ربما يعجل بروز حركة تمرد داخل الدينكا ضمن ضغوط داخلية وخارجية بوتيرة الجهود الرامية إلى تنفيذ قوة الحماية الإقليمية وتطبيق اتفاق السلام، لا سيما وأن اتساع الانشقاقات داخل الدينكا وامتدادها إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي يهدد بقاء نظام سلفا كير، لكنه لن يسمح للمعارضة غير المتماسكة بالسيطرة الكاملة على البلد، بما يعني تصاعد العنف وانتشاره إقليميا، في ضوء غياب الحد الأدنى من التوافق بين المتنازعين، وغلبة الطابع الإثني على أبنيتهم السياسية والعسكرية. لم يتحول جنوب السودان إلى دولة وطنية تتجاوز صراعات الانتماءات الإثنية؛ على العكس أضحى موطنا للمجاعات والنزاعات، بعد أن دخل رفاق الكفاح من أجل الانفصال عن السودان في صراع على السلطة والثروة، واستدعوا ظهيرهم القبلي في معارك مسلحة. ويجعل هذا الواقع الذي يعيشه جنوب السودان اليوم من الصعب تخيل تكرار التجربة مع النماذج المشابهة في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن الأوضاع الراهنة تبدو مناسبة لصناعة دول جديدة. باحث في الشؤون الأفريقية

مشاركة :