استقالة ديسالين نقطة تحول فاصلة في مصير القوة الإقليمية الإثيوبية بقلم: خالد حنفي

  • 2/18/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

المأزق الداخلي يرخي بظلال سلبية على العلاقة مع واشنطن والخرطوم ومشروع سد النهضة.العرب خالد حنفي [نُشر في 2018/02/18، العدد: 10904، ص(4)] تشكل استقالة هايلي مريام ديسالين من منصبيه، كرئيس للوزراء الإثيوبي، ورئيس للائتلاف الحاكم، الخميس الماضي، خطوة غير مسبوقة لا تقتصر تأثيراتها على مستقبل النظام الحاكم ونموذج الدولة الفيدرالية، بل قد تمتد إلى ما وراء الحدود، سواء باتجاه جاراتها الإقليمية في دول القرن الأفريقي أو في التعامل مع ملفات خارجية أخرى، مثل أزمة سد النهضة مع مصر. وللوهلة الأولى، تبدو استقالة ديسالين ، ، الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 2012، خلفا لميليس زيناوي، عراب سد النهضة،“تنازلا استباقيا” للائتلاف الإثيوبي الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية) الذي تهمين عليه جبهة تحرير شعب التيجراي، أمام المعارضة، خاصة من الأورومو التي تعد القومية الأكبر عددا في إثيوبيا. ويخشي الائتلاف الحاكم من أن تتحول الاحتجاجات الشعبية، التي عُدت الأكبر زخما وتأثيرا خلال العقدين الماضيين إلى تهديد وجودي يطيح بالنظام الإثيوبي وربما يسمح بتغيير موازين القوى بين القوميات المتنافسة على السلطة والثروة. وسبقت استقالة ديسالين، التي بررها بأنها جاءت لحل مشاكل إثيوبيا، تنازلات أخرى تمثلت في الإفراج عن سجناء معارضة وصحافيين، ومباحثات حول الإصلاح السياسي. وتشي هذه التنازلات بعدة دلالات أساسية منها أن الائتلاف الحاكم يسعى إلى تهدئة المعارضة، وإبراز أن لديه رغبة حقيقية في الحوار السياسي، وأن سياسات القبضة الأمنية للسلطة لم تفلح في وقف المد الاحتجاجي الذي أخذ وتيرة متسعة في الأقاليم الإثيوبية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، دون أن ترهبه حملات اعتقال أو عنف أو حتى فرض الطوارئ ما بين أكتوبر 2016 وأغسطس 2017، وأن ثمة خلافات حادة داخل السلطة، ثمن الالتفاف عليها هو الإطاحة برأس ديسالين نفسه.تأزم الداخل الإثيوبي يعطي لمصر فرصة أكبر لإصلاح موازين القوى في أزمة سد النهضة الذي فرضته أديس أبابا أمرا واقعا على القاهرة خلال انشغالها بأزماتها الداخلية بعد ثورة 25 يناير 2011 كما يثير المشهد الداخلي المأزوم شكوكا حول ما روج له في الأدبيات الغربية والأفريقية بقصة النجاح الداخلي الإثيوبي، والتي عززت صورة القوة الإقليمية لهذا البلد. وإذا كان المأزق الإثيوبي يعبّر عن معضلة داخلية، فإن تمدد آثاره إلى قضايا وأزمات الخارج صار أمرا واردا، بالنظر إلى أن القوة الإقليمية الصاعدة لأديس أبابا، خلال العقدين الأخيرين، انبنت على ما تملكه من استقرار سياسي وتنموي، وهو ما أعطاها فرصا وأوراقا متعددة عند ممارسة دور خارجي في أزمات وصراعات القرن الأفريقي. ويأتي تصاعد المأزق الداخلي، في وقت يواجه الحليف السوداني مأزقا حادا هو الآخر، بفعل احتجاجات المعارضة على الغلاء وارتفاع الأسعار. وأي إضعاف للنظام الإثيوبي قد يحمل تأثيرات مربكة لنظام الرئيس عمر البشير ذاته، من زاويتين، الأولى: أن الانتصار الرمزي للأورومو على أحد أقوى الأنظمة الأفريقية ودفعه للاستسلام الجزئي لمطالبه قد يدفع المعارضة السودانية إلى المزيد من الضغط على نظام البشير، بفعل العدوى السياسية. وتتعلق الزاوية الثانية باحتمال فقدان نظام البشير لقوة الحليف الإثيوبي في المعادلات الإقليمية في القرن الأفريقي، ما يؤدي إلى هشاشة موقف السودان في أزمته الراهنة مع إريتريا. وفي المقابل، قد يعطي ذلك أسمرة فرصا للضغط على الداخل في كل من إثيوبيا والسودان، لا سيما وأن ثمة اتهامات من قبل الدولتين لأسمرة بدعم حركات معارضة مسلحة لديهما، كما الحال مثلا مع اتهام أديس أبابا لإريتريا بدعم حركة قنبوت سبات (7 مايو) الإثيوبية، والتي ترفض أساسا مشروع سد النهضة. وقد يمتد تأثير الإضعاف الداخلي المحتمل على القوة الإقليمية الإثيوبية إلى الجار الصومالي، بالنظر إلى أن أديس أبابا عمدت إلى تكريس نفوذها العسكري والأمني في هذا البلد، لمكافحة الإرهاب والحرص على إبقاء الصومال، دولة ضعيفة، لا تطالب بإقليم الأوجادين، الذي ضمته أديس أبابا لأراضيها، ولا يزال يمثل معضلة تاريخية ويمكن أن يؤدي تصاعد أزمات الداخل الإثيوبي إلى تعقد معضلة هذا الإقليم ومطالباته بالاستقلال عن الدولة الإثيوبية. ويذهب متابعون إلى أن المأزق الداخلي الإثيوبي قد لا يؤثر على مسار التفاوض مع مصر حول أزمة سد النهضة، ويبرر هؤلاء ذلك بأن من يصيغ سياسة أديس أبابا تجاه السد هو الائتلاف الحاكم، الذي لا يزال ممسكا بزمام الأمور. لكن ذلك الأمر لا يبدو دقيقا، إذا تم النظر لأزمة سد النهضة من منظور جيوسياسي وليس فنيا فحسب، فالسد عكس – في جوهره – خللا في موازين القوى بين أديس أبابا والقاهرة، سواء في حوض النيل أو شرق أفريقيا ككل، واستند ذلك على قوة الداخل الإثيوبي وتوسع الدور الخارجي على حساب الدور الإقليمي المصري في المنطقة. واللافت هنا أن مضي إثيوبيا في فرض سد النهضة كأمر واقع على مصر، جاء في سياق انشغال القاهرة بأزماتها الداخلية بعد ثورة 25 يناير 2011، وربما يعطي تأزم الداخل الإثيوبي لمصر فرصة أكبر لإصلاح موازين القوى في أزمة السد وغيرها من قضايا المنطقة، خاصة مع استقرار الداخل المصري في الوقت الراهن. وصحيح أن ذلك المنطق قد لا تظهر آثاره على مفاوضات سد النهضة في الأمد القريب، مع سعي أديس أبابا إلى الانتهاء من بنائه، لكن على الأقل، سيعمد النظام الإثيوبي إذا تنامت أزمته الداخلية إلى سيناريوهين، سواء بتخفيض أزمات الخارج للتعامل مع ضغوط الداخل ومنها سد النهضة مع مصر، ما يصب في احتمال حدوث مرونة أكبر من قبل أي رئيس وزراء إثيوبي قادم تجاه المفاوضات مع القاهرة، أو قد يسعى الائتلاف الحاكم إلى التصعيد الخارجي الحاد، في مسعى لحشد القوميات الإثيوبية المتناحرة وراء سد النهضة للتغطية على أزمات الداخل. لكن يبقى السيناريو الأول الأكثر احتمالا، لأن أديس أبابا تدرك أن أي نزاع مسلح مع القاهرة ستكون له عواقب وخيمة على مقدراتها التنموية، إضافة إلى أن مصر باتت تملك أوراقا إقليمية تقلق أديس أبابا، وتجلى ذلك في تعزيز علاقاتها مع أسمرة، بالإضافة إلى أن السودان الذي يميل لإثيوبيا في أزمة سد النهضة يواجه بدوره أزمة داخلية دفعت نظام البشير لتخفيض التوتر مع القاهرة. ويصعب تلك الاحتمالات عزلها عن العامل الدولي، خاصة الولايات المتحدة التي تنظر لأديس أبابا كذراع لسياساتها الأمنية على صعيد مكافحة الإرهاب والتعاون الاستخباراتي والأمني في القارة.تصاعد المأزق الداخلي يأتي في وقت يواجه الحليف السوداني مأزقا حادا هو الآخر، بفعل احتجاجات المعارضة على الغلاء وارتفاع الأسعار وأسهم التشابك الإثيوبي – الأميركي في غض واشنطن الطرف عن سياسة قمع للاحتجاجات خلال السنوات الماضية، وتعزز ذلك مع إدارة ترامب التي لم تكن هذه القضايا ضمن أولوياتها، بل وضعت صوب اهتمامها مكافحة الإرهاب وتحجيم النفوذ الصيني المتصاعد في القرن الأفريقي، لذا دعمت واشنطن إثيوبيا اقتصاديا وأمنيا ومالت إليها على حساب إريتريا. أصبحت مصالح واشنطن في القرن الأفريقي رهينة لدى إثيوبيا، فمثلا، عندما حاولت اللجنة الفرعية للشؤون الأفريقية بمجلس النواب الأميركي تمرير قرار في سبتمبر 2017 يلفت الانتباه إلى الانتهاكات لحقوق الإنسان في إثيوبيا، زار السفير الإثيوبي في الولايات المتحدة أعضاء اللجنة وهدد بوقف التعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب في الصومال، وهو ما أوقف القرار. لكن تفاقم الاحتجاجات الأخيرة جعل واشنطن تضغط على الائتلاف الحاكم، وأطلق السفير الأميركي في أديس أبابا مايكل راينور مؤخرا انتقادات غير مباشرة لأديس أبابا عندما أشار إلى أهمية السماح بالتظاهر السلمي وتجنب القوة القتلة تجاه المتظاهرين. ومتوقع أن تمارس واشنطن ضغطا على أديس أبابا خلال المرحلة القادمة، كي تفسح المجال لإصلاحات سياسية وحقوقية حتى لا تتفاقم الأزمة الداخلية وتصل إلى نقطة اللاعودة، ويصبح فيها تقديم تنازلات أكبر من السلطة الإثيوبية للمعارضة أمرا متأخرا، بما يضعف القوة الإقليمية لأديس أبابا ويفتح حينها الباب أمام تغيير قواعد اللعبة في منطقتي القرن الأفريقي وحوض النيل.

مشاركة :