من لم يتجول في منطقة البلد، خصوصا في سوق قابل، فهو لم يعش في جدة، السائح والحاج إذا لم يتجولا في شارع قابل لم يريا جدة المدينة العريقة التي تزخر بعبق التاريخ، التجول في المنطقة التاريخية بين محلات الذهب والفضيات والأحجار الكريمة والسبح والمشغولات اليدوية العريقة وبين بائعي اللبان اللامي فيه متعة، هؤلاء الباعة لهم طريقة وأسلوب في جذب الزبائن يضعون قليلا من البخور في المبخرة معطرين بذلك المتسوقين. غياب وحضور سالم أحمد سلوم (65 عاما) يقول: بيتنا في حارة المظلوم أمام بيت باعشن، وهو من البيوت الكبيرة، حيث أعمل في متجر لبيع السبح والأحجار الكريمة، أديره بنفسي، كانت بدايتي صعبة للغاية إذ انتقلت من حارة المظلوم إلى المدينة المنورة، بسبب ظروف قاهرة، ثم عدت إلى مسقط رأسي وعملت في عدة مهن ووظائف على مدى سنوات، حتى استقر بي الحال في مهنة بيح السبح والأحجار الكريمة، وهي بالأصل كانت هوايتي والتي تحولت مع مرور الوقت إلى مهنة لكسب العيش، إذ اشتريت في أحد الأيام مجموعة من السبح الرخيصة، ونظمتها في خيط وبعتها، ويومها شعرت أنني سأدخل عالم السبح والأحجار الكريمة، وبالفعل تحقق ذلك وأصبحت ملازما لها أكثر من 30 عاما. ألوان متغيرة وعن أكثر الأحجار الكريمة جذبا للزبائن، يقول سالم: الفيروز والعقيق والزركون والعقيق اليمني وحجر اليسر الذي يستخرج من البحر، وبعض زبائني يبحثون عن الألماس والزمرد والزفير وهو حجر أزرق لازوردي ويعطي لونه درجات مختلفة يبدو أحيانا للناظر أنه أسود قاتم، وإذا نظر إليه من مسافة قريبة فيبدو لونه أزرق يميل للاخضرار القاتم، ويمكن أن يكون بلون أزرق نقي بدون بريق، وعادة يستجلب من كشمير، وهناك نوع من بورما، والزفير الفاتح النقي يأتي من أستراليا وتايلند وسريلانكا، والزفير الزهري، وهناك أنواع أخرى من الأحجار، وأسعارها تتفاوت حسب النقاء والحجم لكنها عادة تكون بالطلب. تقوى وترف سالم الذي احتك بعشرات السياح والحجاج من أركان الدنيا الأربعة، أجاد عدة لغات، بسبب اقترابه من زبائنه، ويقول: إنه يتحدث اللغة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وبعض اللغات الأخرى، خصوصا أن أكثر زبائنه من تلك الجنسيات العاشقة للأحجار الكريمة كل حسب اعتقاده، ويقول إن بعض زبائنه يتواصلون معه على الهاتف لمعرفة كل جديد في عالم الأحجار الكريمة وتربطه بهم علاقات مودة ومعرفة. ويقول: «إن السبح في بعض الأحيان تحولت من مظهر من مظاهر التقوى إلى مظهر للترف، والبعض يعلقها على الجدران للزينة، وهذه عادة تكون من الخشب والزجاج والبلاستيك، وهي رخيصة وكبيرة الحجم تعطي منظرا جماليا لجدران المنزل». وعن العمل المرتقب في موسم الحج وأرباحه يقول: «إن الحجاج والمعتمرين يقبلون على شراء السبح بكميات كبيرة كهدايا لعائلاتهم يحملونها معهم كهدايا قيمة من بلد الحرمين الشريفين». اعتقاد خاطئ ويستمر في حديثه ويضيف قائلا: «تمنيت أن يأخد أحد أبنائي سر صنعة أبيهم، لكنهم عزفوا عنها وقد يكون سبب عزوفهم عن هذه المهنة هي المشقة الموجودة فيها، فالشباب يبحث عن العمل في المكاتب رغبة في الراحة، لكنه يشير إلى أن بناته تعلمن تركيب السبح في المنزل وقد برعن في ذلك».. وقبل أن نغادره ليلتفت إلى زبائنه، سألناه عن بعض الأحجار الكريمة التي لها خواص محددة مثل الشفاء والحب وجلب الرزق والعلاج، فقال: «هذا غير صحيح، لأن الشفاء والأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى».
مشاركة :