الاحتفالات تضيف بعداً آخر للإبداع!مظاهر الاحتفال المنتشرة في أرجاء العالم هذه الأيام، بمرور عشرين عاماً على صدور النسخة الأولى من سلسلة ساحرة الأطفال والكبار «هاري بوتر»، التي أدرجت ضمن أكثر سلسلة كتب مبيعاً في التاريخ، وبنيت عليها سلسلة من الأفلام التي صارت أيضا ضمن قائمة أعلى الأفلام دخلاً في العالم، حتى صارت الكاتبة الانكليزية «جوان كاثلين رولينج» من مشاهير العالم الكبار.لم تكن الاحتفالات تقليدية، إنما متنوعة وثرية تليق بحجم هذا الإبداع المتميز الذي تفردت به كاتبته، عندما قدمت لنا الحكايات الفانتازية الشيقة والغموض المفخخ بالإثارة والسحر وجموح الشباب، فأبهرت العالم وسكنت وجدانهم وأنعشت خيالهم!أول المحتفلين بالمناسبة جمهور السلسلة من الأطفال، فقد خرج تلاميذ من 11 مدرسة ابتدائية إلى قاعة «سميثيلر» في مدينة مانشيستر البريطانية، مرتدين ملابس السحر التي اشتهر بها بطلهم «هاري بوتر» ومرسومة على جبينهم العلامة التي تميز بها والتي تشبه لسان البرق، وقد وصل عددهم إلى 676 تلميذاً، ليكسروا الرقم القياسي العالمي حول تجمع أكبر عدد من المواطنين المرتدين ملابس السحرة، في سلسلة الأفلام الشهيرة، بحسب موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية. هكذا يكون الجمهور وفياً للمبدعين، وهكذا يكون حب الأطفال صادقاً بطبيعته!وبما أننا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مناسباتنا، فقد احتفل أيضا مؤسس الفيس بوك «مارك زوكربيرغ» على طريقته، وقام بمفاجأة الجميع بتفعيل الكلمات الأشهر في سلسلة أفلام «هاري بوتر»، على موقعه، ففي حال كتابتها أو الضغط عليها تظهر عصا «هاري بوتر» السحرية، ومعها زينة وألوان الاحتفال. حتى مارك نفسه، أفصح عن مدى حبه وشغفه بحكايات «رولينج» ساحرة القلوب!الحكومة البريطانية أيضاً عبرت عن مدى تقديرها لهذا الإبداع الذي سحر العالم بخياله، ولامس قلوبهم، ودفع مشاعرهم إلى متابعة سبعة أجزاء بلا كلل أو ملل، بل بشغف وترقب، فأوعزت إلى 50 سفارة بريطانية حول العالم بإقامة فعاليات للاحتفالات بأشكال مختلفة، وكأنها تؤكد وتذكر العالم بأن ميلاد «هاري بوتر» كان إنكليزياً، فمبدعته خلقت هذا العالم الجميل عام 1997، فسجلت شهادة ميلاد إبداعها في ذكرى ميلادها الثانية والثلاثين، وكل إبداع يضيف حياة جديدة لصاحبه، ويجعله يكتشف ذاته وأجمل ما فيها من جديد!قالت الكاتبة الأميركية أوكتافيا بوتلر:«إن كل قصة أبدعتها.. أبدعتني، أنا أكتب لأكون نفسي».إن احتفال السفارات البريطانية بهذا الزخم لرواية تعد من أدب الشباب حدث مهم، بل مؤشر لحدث أكبر، يذكرنا بالاحتفال برواية «دون كيشوت» للكاتب الإسباني الرائع «ميغيل دي سيرفانتس» التي صدرت منذ أكثر من 400 سنة، وتركت بصمة مميزة في الأدب الإسباني، لدرجة أن العالم أطلق على اللغة الإسبانية «لغة سيرفانتس»! وقد بدت كأنها رواية لكل العصور.هناك روايات لا تموت أو يذبل رحيق حروفها، بل يتعتق مع الزمن ويزداد توهجاً، ويبدو أن «هاري بوتر» ستكون من هذه الأساطير الخالدة في كلاسيكيات الأدب العالمي، خصوصاً الأدب الذي يجذب القارئ بأفق الخيال اللامحدود، ونسيج الشخصيات التي تلامس الإنسان في كل عصر، فالخير والشر وجهان لمفرد هو الإنسان، يبقيان مهما تغير شكله ولونه وحضارته مع تبدل الزمان والمكان.هكذا كانت توليفة «رولينج» لشخصية بطلها «هاري» الطفل الهزيل المسكين اليتيم، ذي الأحد عشر ربيعاً، بنظارتيه المستديرتين، وخضوعه لخالته التي يكرهها بعد موت والديه، وهكذا كانت قصة «ساندريلا» الشهيرة للفرنسي شارل بيرو، التي ولدت في القرن الخامس عشر، وما زالت حية ونابضة إلى الآن، تزيدها السينما إبهاراً فتناسب روح العصر، وقبلها «ألف ليلة وليلة» التي تعد من القصص الخالدة المتجددة. إنها كأكسير الأدب، تتجدد وتتلون دائماً، فتزداد شعلتها إضاءة، وهي تعبر الثقافات والحضارات!إن رواية «هاري بوتر» السباعية، والثمانية بأفلامها، بدءاً من «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» إلى «هاري بوتر ومقدسات الموت»، توجت أخيراً بعمل مسرحي ضخم، يليق بكل ما تحمله الروايات من زخم ومغامرات وإبهار، في عرض مميز لمدة 5 ساعات، مؤلف من فصلين، استمر لمدة عام كامل من 2016 إلى 2017، بنجاح متواصل، ووقفت «جوان كاثلين رولينج» كالملكة على مسرح روايتها، لتودع جمهورها، فاحتضنها بالتصفيق الحار المفعم بالحب والتقدير، وأسدلت «رولينج» الستار على حكايتها السحرية مع الصبي الساحر الذي فتن جمهوره، وقالت: «إنني سعيدة لرؤية ذلك يتحقق بمثل هذا الجمال.. هاري اكتمل الآن»!وعندما «أدرك شهريار الصباح.. وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح» استمرت «ألف ليلة وليلة» تشق طريقها بين العصور، وما زالت، والآن توقفت «رولينج» عن سرد مغامرات «هاري» وسكت قلمها عنه، ألا تتوقعون أن تسكن هذه المغامرات في نفوس الملايين أجيالاً بعد أجيال؟!* كاتبة كويتيةAmal.randy@yahoo.com
مشاركة :