يركض بنا العمر على قدمين سريعتين، كأنهما قدمين من ريح..!! لكأنه يوم أمس القريب حينما كان استاذنا عمر الحصين رحمه الله، يقف أمامنا يشرح لنا درس التاريخ في قاعة الفصل بهيبته وشخصيته الوقور.. كان جاداً وحازماً ومنضبطاً، لا يتأخر دقيقة من وقته، ولا يضيع دقيقة منه.. وتمر الأيام وتشاء الأقدار أن أعمل معه، عندما كان مديراً بمكتب وزير التعليم العالي الشيخ حسن رحمه الله، ذلكم الشيخ الجليل، الذي لن تنساه ذاكرة أجيال العلم والمعرفة في زمنه، وما كان يتمتع به من حب الخير، ومساعدة الناس، فكأن الله خلقه للعون، والمساعدة، والبذل والعطاء. أعود وأقول إنني عملت مع الأستاذ عمر، وكانت شخصيته كأستاذ في الفصل هي شخصيته كمدير إدارة: الانضباط، والدقة والإتقان، والحرص على الإنجاز مع السيطرة على مجريات العمل، وخرجت من الوزارة إلى منازح الاغتراب.. حيث ظل حريصاً على التفاعل مع المكاتب الثقافية وكان حلقة وصل بين العاملين بها وبين الوزير، والحق أنه كثيراً ما وقف مع العاملين الجادين، وسهل أمورهم، وكثيراً ما حلت مشاكل الطلاب من خلاله.. وحينما توفي الشيخ حسن رحمه الله، تولى الوزارة بعده المرحوم عبدالعزيز الخويطر وظلت الأمور على نفس المسار، ونفس النسق إلى أن انتقل معه إلى وزارة المعارف.. ويظل الأستاذ عمر الحصين علامة مميزة في تاريخ وزارة التعليم العالي منذ انشائها، إذ كان أحد رموز بنائها، وهيكلتها مع كوكبة أخرى من العاملين بها كالأستاذ عبدالله الحصين رحمه الله، والدكتور محمود سفر، والدكتور عبدالرحمن الشبيلي، والأستاذ عمر البليهد، والأستاذ أحمد الأحمد، والأستاذ ابراهيم المعمر، وعدد كبير من الرجال المخلصين ممن كان لهم ثقلهم وقيمتهم المعرفية والإدارية بالوزارة. وكان رحمه الله ملماً إلماماً كبيراً، بالأنظمة، والتعليمات، الإدارية والمالية، بل كان مرجعاً فيها، وكان يتمتع بذاكرة قوية، وبطاقة عملية لا تعرف الملل أو الكسل، وكان شديد الأناة قليل الانفعال صلب المكابدة، ونبيلاً مع المخلصين للعمل. وفوق ذلك كان مثقفاً، رصين الأسلوب، حافظاً للتاريخ والشعر، والأدب حريصاً على اللغة العربية في لهجته الكتابية، وكان غزير المعرفة الفقهية، وجدل الفقهاء وآرائهم.. وكان رغماً عن التزامه الظاهر يتمتع بشخصية مرحة، ميالة للسخرية، والدعابة مع الأمثال، والمشاهد، والأحداث التي تختزن بها ذاكرته.. وبوجه العموم فقد كان ذا فراده عملية، ومعرفية، وإنسانية، شكلت تلك الشخصية التي لن تنسى وزارة التعليم التاريخية، ما كان لها من جهود متميزة في نهجها وأنظمتها سواء على المستوى الأكاديمي الجامعي، أو على مستوى الابتعاث وشؤونه.. ولن ينسى العاملون معه ما استفادوا منه في الحرص والانضباط الإداري، واحترام المهنة، والزمن. فعليك سلام الله يا أبا عبدالرحمن فقد كنت إدارياً بارزاً واستاذاً ناجحاً، والله المستعان.
مشاركة :