ظهور النقد الثقافي والأدبي بهذا الزخم عند هؤلاء الناقدات يدخل في إطار تنشيط فعالية تجاوز التمثيلات الذكورية التعسفية المهيمنة على النقد الذكوري سعيا لجعل النقد ركنا مركزيا في البناء الثقافي والأخلاقي الديمقراطي في المجتمع. العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/07/07، العدد: 10684، ص(15)] بدءًا من الربع الأخير من القرن العشرين إلى غاية اليوم برزت في فضاء الثقافة الإنكلوساكسونية ظاهرة ملفتة للنظر و تستدعي الانتباه. تتمثل هذه الظاهرة في انخراط عدد من مثقفات وناقدات هذا الفضاء في ممارسة النقد الثقافي الراديكالي بشكل عام والنقد الأدبي بشكل خاص علما أن هذين الحقلين المعرفيين قد بقيا لمدة طويلة تحت سيطرة النقاد والمثقفين الذكور أمثال أي . إ. ريتشارد، وإليوت، ووليم إمبسون، وكلينت بروكس، وكنيث برورك، وتيري اجلتون وغيرهم كثير. ويبدو واضحا أن ظاهرة النقد الأنثوي هذه لم تدرس خصائصها والأسباب التي كانت وراء ولادتها وإن كانت معظم الآراء التي يدلى بها هنا وهناك تجمع على فكرة مفادها أن ظهور النقد الثقافي والأدبي بهذا الزخم عند هؤلاء الناقدات يدخل في إطار تنشيط فعالية تجاوز التمثيلات الذكورية التعسفية المهيمنة على النقد الذكوري سعيا لجعل النقد ركنا مركزيا في البناء الثقافي والأخلاقي الديمقراطي في المجتمع. ويلاحظ أن هؤلاء الناقدات يهتممن بشكل ملفت للانتباه بالشعرية التي تهدف إلى وضع “مبادئ وأشكال لبناء النص، أو دراسة هذه المبادئ كما هي متحققة في النص الإبداعي ويهتممن بشكل متزامن بتأويل المعنى. وهكذا فقد صار النقد عند هؤلاء الناقدات يستند إلى شبكة من المناهج والتبصيرات الفكرية بما في ذلك النظرية الفيزيائية”. ففي الشهور القليلة الماضية من هذه السنة صدرت ببريطانيا عدة كتب تتناول مفهومي النقد والنظرية لعدة ناقدات بريطانيات من بينهن سارة أبستون، وكاثرين بيلسي. ففي تقدير أبستون تحديد مفهوم النظرية أمر معقد لأنه لا توجد نظرية كقالب معطى قبليا ومغلق في آن واحد، ونظرا لذلك فهي ترى أن النظرية الأدبية هي “مجموعة من الأجوبة المختلفة التي نقدمها على الأسئلة التي يمكن أن نطرحها حول معنى ووظيفة وتأثير نص ما حيث تكون هذه الأسئلة غالبا غير متوقعة ومعقدة”. وعندما تجيب عن السؤال : لماذا النظرية؟ فإن الناقدة أبستون تفضل الحديث عن المقاربات المتنوعة التي نستخدمها للتوغل في التضاريس الداخلية المكونة لمعمار بنية النص الإبداعي ودلالاته في آن واحد وعلى نحو عضوي. أما الناقدة كاثرين بيلسي فتفتتح كتابها “النقد” بسؤال طريف لتحديد من هو الناقد وذلك في معرض مناقشتها للكيفيات التي يسلكها النقد كممارسة والسؤال هو: “ماذا تفكر أو تعتقد فيها؟”. في هذا السياق ترى بيلسي “أن كل من يسأل مثل هذا السؤال فإنه يخاطبك كناقد”، وهكذا نجدها تلتقي مع سارة أبستون في كون النقد “ينطلق بواسطة تقديم الإجابات على الأسئلة حيث أن الأسئلة المعينة تركز الانتباه على نحو مختلف”. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :