الدراسات العربية المعاصرة لم تدرس مساهمات المقاومة الثقافية والسياسية لهؤلاء المفكرين والأدباء في بناء مفاهيم ونظريات جديدة في الساحة الفكرية والأدبية الأوروبية.العرب أزراج عمر [نُشر في 2018/02/02، العدد: 10888، ص(15)] من المهام الأساسية التي تضطلع بها الدراسات ما بعد الكولونيالية الكشف عن المواقف النقدية الشجاعة للمثقفين الأوروبيين/ الغربيين من القضايا العادلة في العالم وخاصة قضايا التحرر الوطني في البلدان المستعمرة سابقا والتابعة للمراكز الغربية لاحقا. لقد بيّنت الدراسات ما بعد الكولونيالية أن عددا معتبرا من المثقفين الأوروبيين/ الغربيين قد تميزوا بممارسة النقد الذاتي لنظم الحكم ببلدانهم في الحقبة الاستعمارية وتحملوا جراء ذلك الكثير من التبعات مثل التحقيقات البوليسية معهم، والزج ببعضهم في السجون فضلا عن محاربتهم في المؤسسات التي عملوا بها. في الواقع فإن الدراسات العربية المعاصرة لم تدرس مساهمات المقاومة الثقافية والسياسية لهؤلاء المفكرين والأدباء في بناء مفاهيم ونظريات جديدة في الساحة الفكرية والأدبية الأوروبية. وفي هذا الخصوص ينبغي لفت الانتباه إلى كتاب مهم للباحث الجامعي الفرنسي فرنسوا سيرنللي وعنوانه “المثقفون والأهواء والفرنسية”. يندرج كتاب سيرنللي في إطار كتابة جزء من السيرة العامة لمواقف المفكرين والأدباء والمثقفين الفرنسيين تجاه ظاهرة الاستعمار الفرنسي وإبراز تأثير علاقات الاستعمار على نسيج الحياة السياسية الثقافية في المجتمع الفرنسي. ويؤكد سيرنللي أن ظاهرة الكولونيالية قد لعبت دورا تاريخيا في الكشف عن تناقضات المجتمع الفرنسي وأنها هي التي فجرت الخلافات الحادة التي أدت إلى انقسام اليسار الفرنسي المثقف. ويوضح أن الساحة الثقافية السياسية الفرنسية قد شاهدت في شهر جانفي 1955، أي بعد اندلاع الحرب الجزائرية الفرنسية بأشهر قليلة، نقاشا خلافيا دار بين مثقفي اليسار الفرنسي وتركز على أخلاقيات وسلوكيات الجيش الفرنسي في الجزائر. في هذا السياق يذكرنا مثقف فرنسي آخر وهو كلود بوديت في مقاله الذي نشره في عام 1955 على صفحات المجلة الفرنسية الأدبية والفكرية الشهيرة “فرانس أبزرفاتور”، بأن الإدارة الفرنسية اتبعت في الجزائر نهجا متطابقا مع النهج النازي الهتلري، كما يقارن بين البوليس السري الفرنسي وبين الغيستابو النازي ووجد بينهما تطابقا في التنظيم والممارسة القمعية، ويوضح أكثر أن البوليس السري الفرنسي في ذلك الوقت “قد أكد منذ البداية على التحريض ضد المسلمين الجزائريين”. وعلى صفحات جريدة “الإكسبرس″ نجد الكاتب الفرنسي الشهير فرنسوا مورياك يدين بوضوح أعمال التعذيب التي ارتكبها الجيش الفرنسي، ويبرز هذا الموقف في مقال له يحمل عنوان “المسألة”. ولكي يُسمع المثقفون الفرنسيون المعادون للحرب وللاستعمار أصواتهم عاليا فقد قاموا بإنشاء “لجنة العمل” ضد الحرب في شمال أفريقيا، وكان فرنسوا مورياك وكلود بوديت عضويين فيها وإلى جانبهما كان كل من المؤسسين المعروفين لهذه اللجنة وهم: دي فورست والفيلسوف إدغار موران وروجر مارتن، ولاي جار وأندريه بروتون زعيم الحركة السوريالية في فرنسا والغرب معا وجان بول سارتر وغيرهم. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :