شكل الخريطة السورية بعد الانتهاء من تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" أمر يقلق القوى الدولية والاقليمية، على فرضية من سيخلف التنظيم الجهادي في سوريا بعد القضاء عليه، خاصة وأن المنطقة تمثل صراع نفوذ بين تركيا وروسيا وإيران. وفي تحليل له بموقع البريطاني، الأربعاء 5 يوليو/تموز 2017، قال نيل هاور المحلل الاستخباراتي البارز في مجموعة "سيكديف" والمتخصص في الشأن الروسي، إن الترتيبات النهائية لتسوية الصراع الأوسع في سوريا غير مؤكد، بعد التخلص نهائياً من "الدولة الإسلامية" في ظل تشابك النفوذ بين تركيا وروسيا. ويضيف هاور مع تركيز الولايات المتحدة بشكل كبير على معركة الرقة، انحصرت المبادرات الموجهة لبقية مناطق سوريا في أيدي ثلاثة أطراف غير محتملين ظاهرياً: هم روسيا وإيران، داعمي النظام، جنباً إلى جنب مع تركيا، الخصم اللدود للأسد. واعتبر أن الجولة القادمة من المحادثات الأستانية، التي بدأت هذا الأسبوع، كانت هناك أرضية مشتركة في طريقها للاتساع بين روسيا وتركيا، واقترح الطرفان خطة طموحة للجيب الشمالي للمعارضة في محافظة إدلب. وأشار إلى أن موسكو وأنقرة اتفقتا مبدئياً على 4 "مناطق لتخفيف حدة التصعيد" تشمل الجبهات الرئيسية للصراع بين المعارضة وقوات النظام فى سوريا، وذلك عقب جولةٍ سابقة من المحادثات في أستانا في أوائل مايو/أيار. وبحسب هاور ركزت المباحثات الروسية التركية الأخيرة على إدلب، وهي أكبر المناطق المثيرة للخلاف حتى الآن من بين المناطق الأربع. وأعلن البلدان في 22 يونيو/حزيران أنَّهما يخططان لإرسال عسكريين روس وأتراك لتنفيذ مذكرة خفض التصعيد. وقد شوهدت قوات تركية تُجمع على طول الحدود الجنوبية للبلاد، حيث تَعبر بعض الوحدات بالفعل إلى مدينتي عزاز وماريا في محافظة حلب الشمالية يوم 21 يونيو/حزيران. نشر الشرطة العسكرية الروسية وأضاف هاور، من المرجح أن تتخذ القوات البرية الروسية المنتشرة في المنطقة شكلاً مختلفاً عن وحدات الجيش النظامي. ومنذ ديسمبر/كانون الأول، استخدمت روسيا ما يسمى بـ"الشرطة العسكرية" التي جلبتها من أراضيها السنية المسلمة في الشيشان وأنغوشيا. وقد تم نشر هذه الوحدات، التي تلقَّت تدريباً متطوراً على مكافحة الإرهاب، لضمان إنجاز المهام الحساسة في مختلف أنحاء سوريا، بما في ذلك الإشراف على عمليات الإجلاء في حلب ومنع الاشتباكات الكردية التركية في منبج. ووفقاً لما ذكرته صحيفة كوميرسانت اليومية الروسية، فقد أعربت موسكو عن رضاها بشأن أداء الشرطة العسكرية. واقترح المسؤولون الروس مؤخراً إمكانية إرسال مزيدٍ من تلك القوات لتأمين إدلب، بحسب المحلل السياسي. ومؤخراً، أنهت وحدة مكونة من 250 شرطياً عسكرياً شيشانياً فترة التناوب لمدة ثلاثة أشهر في سوريا وعادت إلى بلادها، وسرعان ما استُبدلت بوحدةٍ أخرى. والتوقيت مواتٍ لكتيبة جديدة (أو حتى عدة كتائب) من القوات الخاصة الشيشانية للتعرف على محافظة إدلب. مشاركة دول آسيا الوسطى واعتبر هاور أن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في المفاوضات الروسية - التركية هو اقتراح أن تحمي محافظة إدلب قوات لحفظ السلام من مصدرين غير مُرجَّحين، هما كازاخستان وقيرغيزستان. وكان هناك إعلانان في 22 يونيو/حزيران أثارا هذا الاحتمال. كان الأول من الجانب الروسي. ثم توسع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في هذه التصريحات مشيراً إلى احتمال مشاركة 300 أو 500 جندي من جمهوريات آسيا الوسطى. وقد نفت كل من أستانا وبيشكيك هذه الاقتراحات على الفور تقريباً؛ إذ صرح وزير الخارجية الكازاخستاني خيرت عبد الرحمنوف بأنَّه "لا يوجد أي نوعٍ من المفاوضات" بشأن هذا الاقتراح. وبحسب هاور تركت تصريحات قيرغيزستان مجالاً أكبر للتأويل؛ فقد نفى رئيس قيرغيزستان ألمازبيك أتامباييف أنَّه ناقش نشر القوات في اجتماعه يوم 20 يونيو/حزيران مع بوتين، غير أنَّ رئيس مجلس أمن الدولة تيمور جوما قاديروف أشار إلى أنَّ منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري يضم روسيا، وبيلاروسيا، وبلدان آسيا الوسطى الخمسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قد تباحثت مؤخراً بشأن مناطق تخفيف التصعيد في سوريا. تحول العلاقات وبحسب المحلل السياسي بدا أنَّ التقارب الأخير بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان لم يكن وارداً بعدما أسقطت تركيا طائرةً روسية في سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وجاء التحول حينما أعادت تركيا النظر في أولويات سياستها الخارجية خلال الأشهر الـ18 الأخيرة. وجعل تدخل روسيا دعماً للأسد من الواضح لتركيا أنَّ هدفها الأساسي للإطاحة برئيس النظام السوري أصبح هدفاً غير واقعي الآن. ويرى أردوغان والنخبة التركية أنَّهما لا يمكنهما الوثوق بالولايات المتحدة لمساعدتهما في تحقيق هذا الهدف. وقد فسرت أنقرة دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين على أنَّه إغفالٌ للمخاوف التركية في أحسن الأحوال ونشاطٌ معادٍ في أسوأ الأحوال، بحسب هاور عوامل مُترقَّبة واعتبر هاور أن جولة المحادثات في أستانا هذا الأسبوع حاسمة لتعزيز التعاون الروسي التركي بشأن جميع هذه القضايا، بما في ذلك الاتفاق حول المزيد من التفاصيل بخصوص خطط نشر قوات حفظ السلام في إدلب. وأشارت مصادر عسكرية روسية إلى أنَّ روسيا قد تسعى إلى جذب دول إضافية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي لإرسال قوات حفظ سلامٍ إلى سوريا، ربما من دول أخرى في آسيا الوسطى بما فيها طاجيكستان وأوزباكستان. هل منحت روسيا الضوء الأخضر لتركيا؟ أشارت مصادر كردية إلى أنََّ روسيا تسحب وجودها العسكري الضئيل في عفرين للسماح لتركيا بحرية الحركة مقابل التعاون فيما يتعلَّق بإدلب، كما قال هاور. وفي حين أنَّ هذا الأمر لا يزال موضع خلاف، ومع زعم بعض المصادر في عفرين بأنَّ الروس لن ينسحبوا، لا يزال الخبراء الأتراك يفترضون أنَّ موسكو ستمنح الضوء الأخضر لأي عمليةٍ تنفذها أنقرة ضد الكانتون الكردي السوري. وبحسب هاور لا تزال هناك العديد من العقبات المحتملة أمام خطط موسكو التي صِيغت بعناية فائقة؛ فالصدامات الأميركية الإيرانية الأخيرة في جنوب شرق سوريا والقتال بين النظام والقوات الكردية يُعَد تذكيراً بأنَّ الكرملين واجه صعوبات في كبح جماح حلفائه. ولا يزال من غير الواضح ما سيحدث بالضبط في إدلب نفسها، أو لعشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الموجودين هناك. ومع ذلك، يبدو أنَّ موسكو، وبدعمٍ تركي، قد أمسكت بزمام الأمور فيما يتعلَّق بتحديد مستقبل سوريا القريب. وفي حين أنَّ استراتيجية واشنطن على ما يبدو قد تعثَّرت في سوريا، فإنَّ روسيا تمضي قدماً مع حليفها الجديد بالناتو، تركيا، من أجل ترسيخ رؤيتها الخاصة بتسوية بعض مناطق النزاع الأكثر تجذُّراً في سوريا.
مشاركة :