صحيفة مكة - جدة تتوالى الإنجازات البحثية في الحركة العلمية داخل المملكة، بعد أن أولت الحكومة اهتماما كبيرا بالبحث العلمي والباحثين، ما أسهم في دفع الاكتشافات العلمية وخصوصا الطبية منها إلى صدر كبريات المجلات العلمية المحكمة، إذ استطاع فريق بحثي وطني الحصول على جائزة مدير جامعة الملك عبدالعزيز بجدة للإبداع الطبي الجراحي الخاضعة لتحكيم جهات علمية دولية ومرموقة، بعد أن نجح الفريق الطبي برئاسة البروفيسور السعودية صباح مشرف في حقن الدهون الذاتية الدقيقة في المفاصل لعلاج الالتهاب المزمن. ومن مكتب مليء بالأوراق والبحوث العلمية في الجانب الشمالي من حرم جامعة الملك عبدالعزيز، أكدت رئيسة الفريق البحثي الفائز بالجائزة البروفيسور صباح مشرف تقديمها لطريقة مبتكرة لم يسبق أن استخدمت، وهي «استخدام الدهون الذاتية الدقيقة في علاج التهاب المفاصل المزمن ولقد أثبتت فعالية عالية في علاج التهاب المفاصل المزمن وتخفيف الآلام وتيبس المفاصل وتحسين الوظائف الحركية للمفاصل المريضة»، مشيرة إلى أن الفريق البحثي مكون من أطباء وجراحين سعوديين يحملون كفاءة عالية «الفريق مكون من الأستاذ الدكتور صباح بنت صالح مشرف ومشاركة الأستاذ الدكتور ياسر صالح جمال، والأستاذ الدكتور ليلى أحمد حمدي، والدكتور عبدالله محمد كعكي، والدكتور عمرو محمد علي حبشي». وأشارت إلى أن الاستنتاجات المستفادة من استخدام الدهون الذاتية في علاج التهاب المفاصل المزمن توصلت إلى أن تطبيق هذه الطريقة المستحدثة أكدت فائدة استخدام العينات الدقيقة من الدهون الذاتية من خلال الحقن داخل المفصل المصاب لعلاج الألم والتيبس الناتج عن التهاب المفاصل وتحسين وظائف المفصل، إضافة إلى أن الطريقة المستخدمة تعد أكثر أمانا ولا تحتاج إلى تخدير كامل أثناء الجراحة اليسيرة، «كما تتميز هذه الطريقة بالإضافة إلى فعاليتها في تخفيف الألم وتحسين وظائف المفصل أنها إجراء جراحي بسيط وبدون جروح وتتم من خلال ثقب صغير عند الشفط وعند الحقن». وأضافت: «يوجد فارق كبير جدا في التكلفة بين حقن الدهون، وعملية تغيير المفصل بمفصل صناعي وذلك باعتبار تكلفة الإجراء الجراحي وقيمة المفصل الصناعي والانقطاع عن العمل لمدة طويلة»، ويمكن إجراؤها للمرضى كبار السن الذين يعانون من مشاكل مرضية تتعارض مع التخدير الكامل. وقالت: «من خلال خبرتنا في جراحة التجميل على مدار عشرين عاما، وبشكل مكثف خلال الخمس سنوات الأخيرة في فعالية استخدام الدهون وخلاياها الجذعية في معالجة العديد من الأغراض التجميلية لتجديد النضارة وتعويض الأنسجة الضامرة والمفقودة، فقد تم استخدام الدهون في وحدة جراحة التجميل في معالجة العديد من التشوهات الناتجة عن الحروق والإصابات والحوادث وتشوهات الجهاز التناسلي في مرضى اختلاط الجنس وعلاج السلس الشرجي والبولي، ومرض الخنف وإزالة تجاعيد الشيخوخة وإعادة النضارة للجلد، وتعبئة نقص الدهون بالوجه والتشوهات بالشفة الأرنبية وضمور وتشوهات الثدي وعلاج ندبات الجروح وقد أثبتت لنا هذه الخبرة فعالية الدهون وما تحتويه من الخلايا الجذعية كمادة منشطة ومجددة للأنسجة». وتابعت أستاذ واستشاري جراحة التجميل ورئيس وحدة جراحة التجميل في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة البروفيسور صباح مشرف: «من هنا تولدت لدي فكرة استخدام الدهون في علاج التهاب المفاصل المزمن كمادة بيولوجية معبئة نشطة مجددة للأنسجة بما تحتويه من الخلايا الجذعية إضافة إلى الخاصية المشحمة والمزلقة للدهون، وتوجد ثورة هائلة في مجال الطب التجديدي Regenerative Medicine وتطور سريع على مستوى العالم وتنافس طبي كبير في الاستفادة من الدهون والخلايا الجذعية لإيجاد علاج لكثير من الأمراض في التخصصات الجراحية والطبية المختلفة وأكثرها في مجال جراحة التجميل. وأوضحت مشرف والتي تشغل منصب رئيس الجمعية العلمية السعودية لجراحة التجميل أن الدهون تعد علميا من أهم وأغنى مصادر الخلايا الجذعية والأقل تكلفة ويليها النخاع العظمي، مشيرة إلى أن جامعة المؤسس والجمعية السعودية لجراحة التجميل قد نفذتا العديد من المؤتمرات العالمية وورش العمل التي تركز وتناقش استعمالات الدهون والخلايا الجذعية ومصادرها واستخدامها في التجميل و إعادة بناء وتجديد الأنسجة ومن أجل ذلك تمت استضافة العديد من كبار العلماء المتخصصين في هذا المجال، «ولقد شاركت في المؤتمرات العالمية وقدمت العديد من الأبحاث في مجال استخدام الدهون والخلايا الجذعية». وعن سبب اختيار الدهون الجذعية في علاج التهابات المفاصل أفادت البروفيسور مشرف أن الدهون الذاتية تحتوي على أعداد هائلة من الخلايا الجذعية إضافة للخلايا الدهنية لذلك تعتبر الدهون الذاتية مادة بيولوجية معبئة نشطة ومجددة للأنسجة لذلك تمت الاستفادة من الدهون الذاتية بما تحتويه من الخلايا الجذعية لتجديد غضاريف المفاصل إضافة إلى الاستفادة من الخاصية المشحمة والمزلقة للدهون في تسهيل حركة المفصل. وعن المراحل الأولى من تطبيق الفكرة بينت رئيسة الفريق البحثي الحائزة على جائزة مدير جامعة المؤسس للإبداع الطبي والجراحي أنه تم تطبيق الفكرة على مرحلتين، «بدأت الأولى على الحيوان حيث تم حقن عينات مجهرية من الدهون الذاتية على الحيوانات قبل تطبيقها على الإنسان وقد أثبت حقن الدهون الذاتية الدقيقة في مفاصل الركبة الخلفية للأغنام أمانها وفعاليتها على مفاصل الحيوانات السليمة، وأظهرت التجربة أن حقن عينات مجهرية من الدهون الذاتية داخل مفصل ركبة الحيوان ليس له أي أضرار ولم نرصد أي تأثير سلبي بل وجد أن له تأثيرا إيجابيا حيث أدى إلى زيادة عدد الخلايا الغضروفية وزيادة سماكة الطبقة الغضروفية في سطحي المفصل مقارنة بالمفصل غير المحقون وأيضا لوحظت زيادة ملحوظة في عدد الخلايا الغضروفية ذات دلالة إحصائية عالية بالنسبة للركبة المحقونة مقارنة بالركبة غير المحقونة». وأضافت: «تم نشر التطبيق على الحيوان في مجلة لايف ساينس المحكمة والمصنفة عالميا عام 2013، وبدأنا فعليا في المرحلة الثانية، إذ انتقلنا إلى التطبيق على الإنسان بعد التأكد من أمان حقن الدهون الذاتية الدقيقة في مفصل الحيوان وظهور الآثار الإيجابية في غضاريف المفاصل وتكاثر الخلايا الغضروفية فتم التطبيق في الإنسان بحقن مفصل الركبة في المرضى المصابين بالتهاب المفاصل المزمن». وأكدت إجراء الحقن بجراحة بسيطة آمنة، ولا تحتاج إلى تخدير كامل وبدون جروح من خلال ثقب صغير عند الشفط وعند الحقن، مفصلة: «وتؤخذ الدهون الذاتية الدقيقة من المنطقة التي فيها تكتل دهني بالبطن أو الفخذ ثم تحقن كمية 10 إلى 20 ملم في تجويف مفصل الركبة بعد تعقيم منطقة المفصل وحقنها تحت مخدر موضعي من خلال ثقب صغير، ويمكن تكرار الحقن بيسر وسهولة إذا تطلب الأمر». وبثقة كبيرة تطرقت البروفيسور مشرف إلى النتائج قائلة: «تم تقييم نتائج حقن الدهون الذاتية على أعراض مرض التهاب المفاصل المزمن باستخدام مقاييس عالمية لتقييم الألم والتيبس ووظائف المفاصل، وهي مقياس التماثل البصري لتقييم الألم سواء عند الراحة أو خلال النشاط، ولوحظ تحسن ملموس ذو دلالة إحصائية عالية بالنسبة للألم وكذلك الحال عند التقييم بمقياس جامعة غرب أونتاريو وماكمستر (WOMAC) لتقييم الألم والتيبس ووظائف المفاصل المصابة بمرض التهاب المفاصل المزمن حيث أظهرت النتائج تحسن الألم والتيبس والوظائف الأخرى لمفصل الركبة المحقون بالدهون الذاتية فقد تحسن الألم أثناء الراحة والمشي وبوظائف مختلفة بدلالة إحصائية عالية. ونوهت إلى أن العمل البحثي لم يرصد أي أعراض جانبية أو مضاعفات للطريقة المستحدثة، إذ يستطيع المريض الخروج من المستشفى في نفس اليوم ويعود لممارسة حياته العادية، مضيفة إن نتائج البحث العلمي نشرت في مجلة (لايف ساينس) المحكمة والمصنفة عالميا في العام الجاري ، وفقاً لـِعكاظ.
مشاركة :