ماذا لو حذت قطر حذو دبي؟

  • 7/19/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

< ليس المقصود من هذه المقالة الاستنقاص من قطر «الإمارة الصغيرة» في جغرافيتها الكبيرة في قضاياها ومشكلاتها، هذه الإمارة التي بدأت كمثيلاتها من إمارات الخليج بالالتفاف سريعاً على أراضيها بعد انفراط عقد الاستعمار وربقته عن جسدها، وبما أن بريطانيا رفضت البقاء على الأقل لحمايتها في مقابل التمويل كان عليها أن تختار ما بين الاستقلال الكامل وبناء نفسها بنفسها أو الاستجابة لدعوة بريطانيا والانضمام إلى اتحاد الإمارات العربية المتحدة، بغية الاستقواء بعضها البعض سياسياً واقتصادياً وأمنياً، خصوصاً أن «الإمارة الصغيرة» كانت عرضة لأطماع داخلية وخارجية. لذلك، ظلت أمام امتحان سياسي صعب عرضها للنزاعات الداخلية على السلطة، ما حدا بها للتواري عن أنظار العالم ردحاً من الزمن، حتى جاء مجلس التعاون الخليجي ليعيدها من جديد إلى معترك العمل السياسي الحقيقي داخل منظومة عالمية مشتركة تخوض غمار السياسة برؤية وحدوية فتح أمامها آفاقاً أخرى لتطوير نفسها. وبمثل ما بدأت به دول الخليج وشقت طريقها إلى آفاق التطور والنمو على كل الأصعدة، حاولت «الإمارة الصغيرة» الإفادة من هذه التجارب، بإيقاع بطيء أبقاها تقريباً في الظل إلى أن انقلب الابن حمد على الأب خليفة، ومع ذلك احترمت دول الخليج هذه الإرادة الداخلية وباركته وعدته شأناً داخلياً، فلو كانت دول الخليج خصوصاً السعودية والإمارات تضمران شراً لها ولا تريدان لها الخير كما يدعي للأسف الإعلام القطري الذي خرج عن السياق الإعلامي المحترم إنما العكس هو الصحيح، ما باركت كل دول الخليج طموح الشاب المندفع بإصرار للسباق في مضمار النهضة «الماراثونية»، لينقل بها قطر والقطريين في أقل من 20 سنة إلى آفاق أخرى، أسفرت عن وجه حضاري مختلف لقطر. وقد لامس هذا التحول المشرق لنهضة قطر شغاف وجدان الخليجيين، وتلمّسوا فيها نهضة اقتصادية وحضارية ستضاف إلى مكتسبات الخليج الأخرى، حتى اننا ظننا أنها فتحت بوابة التنافس على سياح الخليج والعالم على مصراعيه، قلنا حينها انها ستنافس عما قريب دبي خصوصاً بعد استضافتها لكأس العالم في 2022، وقد تحقق لها جزء من هذه المكاسب وأصبحت هي ودبي حاضرتين سياحيتين مرموقتين، ولكن ومع شديد الأسف تغلب الشق السياسي على الشق الاقتصادي، ومال الميزان القطري إلى جهة العمل السياسي المنفرد، وكأنها بذلك استشعرت قوتها بما يكفي للتغريد خارج السرب الخليجي، فلم يكن هذا الإقلاع موفقاً في التوقيت والمسافة، إذ اصطدم فوراً بإرادة مجلس التعاون الخليجي الشاملة وقضاياه الكلية، ومع ذلك تحلت دول الخليج بالصبر وخاطبت قطر الشقيقة بالتي هي أحسن، وكنا فرحنا بعودتها إلى الصف الخليجي في قمة المصالحة في الرياض عام 2014 وظننا أن هذا الملف المزعج جداً أغلق إلى الأبد، وأن قطر آبت إلى رشدها واتجهت إلى بناء مستقبلها الاقتصادي بعيداً عن تبنّي مواقف مجانية تسيء إلى علاقاتها مع أشقائها، لنكتشف لاحقاً أنها استمرأت لعب دور البطولة المطلقة وعشقت ذلك الصدى الكبير الذي يردد اسمها كدولة عظمى بما لا يتسق مع كينونتها التاريخية ولا قوامها الجغرافي ولا تركيبها الديموغرافي. لم تكتف قطر باستقدام العمالة الأجنبية كسائر دول الخليج لمشاركتهم في بناء بلدانهم، بل أضافت إلى ذلك عملاء مدفوعين بلغة الدينار والدرهم لصياغة اتجاهاتها الفكرية والسياسية، وصناعة ثقافة ليست لها كواجهة براقة مغرية، حتى أصبح كل شيء في قطر يتحدث نيابة عن أهلها بألسن معووجة ليست من لكنة أبنائها ولا تنتمي إليها باللون وحتى العرق والدين كذلك، ولم يكن الأمر ذا أهمية كبيرة لو لم تتطاول على جيرانها وأشقائها. لقد فتح القطريون المجال لكل «ساقط ولاقط» للنيل من أبناء عمومتهم، كل ذلك من أجل العبور بالسياسة القطرية الجديدة عبر قنطرة المتطلبين الجدد ذوي الاتجاهات الثورية لتغذية بؤر الصراع في العالم العربي، ليس ذاك نابعاً من حقد دفين أوغر صدورهم ودفعهم للالتفاف على الثورات العربية لتحقيق مآربهم، التي ليس لقطر فيها ناقة ولا جمل، لذلك سعوا بكل قوة لإفشال كل الخطط الرامية للقضاء على كل ما من شأنه زعزعة دول الخليج، والعجب كل العجب كيف يفوت القطريون أن قوة المال وحدها لن تصنع لها كياناً محترماً بين الشعوب، لأنها ستظل في نظرهم خزينة لا أقل ولا أكثر، فقد كانوا في غنى عن ذلك في ما لو واصلت مسيرتها النهضوية تعليمياً واجتماعياً واقتصادياً، إلا أنها اليوم في عزلتها الاختيارية فوتت عليها فرصة استثمار كل ما بنته من واجهات برّاقة تنعكس من مبانيها الزجاجية وإحيائها المشيدة حديثاً. ماذا لو دافعت عن نفسها بالجلوس مع أشقائها والتفاهم على أهم نقاط الخلاف بينهم، كان بمقدورها التفاوض حول المقيمين لديها من الإخوان المسلمين وحماس وغيرهما بإعطائهم صفة إقامة مختلفة، كما كانت تستطيع الإبقاء على قنوات الجزيرة من خلال صياغة مختلفة لمحتواها مع التزام كل دول الخليج بتحييد الإعلام عن أي خلاف سياسي يقع بين الشركاء، لم يع القطريون حتى اليوم أن التاريخ لن يعيد نفسه، بل يصنع نفسه باتجاه المستقبل المرهون بعدد من القواعد المهمة، يأتي في أولويتها تأمين حدودها، ليس من خلال قواعد أجنبية، بل من خلال تمتين علاقاتها بدول الجوار، ثم أسأل؛ هل ستغني قطر هذه القواعد الأميركية والتركية في ما لو تعمق الخلاف واستمرأت سياسة استشعار العظمة ومقارعة الدول العظيمة؟ هل ستراهن أميركا على قطر وهي تدين ممارساتها المشبوهة ودعمها للإرهاب؟ وهل تعتقد قطر أن سياسة تركيا البراغماتية ستضحي بكل مصالحها مع أهم دول الخليج لأجل سواد عينيها؟ ألم يروها تهرول بأنفاس متوترة من أجل انضمامها للاتحاد الأوربي من دون جدوى؟ نعم أبصم لقطر بالعشرة أنها نالت وسام الشهرة كما نالتها إمارة دبي، مع فارق جذري وعميق هو أن دبي في نظر العالم بنت شهرتها من خلال شبكة مصالح اقتصادية محكمة عبر نوافذ عدة، بينما قطر شيدت شهرتها على سمعة أساءت لها من خلال نافذة واحدة هي الجزيرة، ليتها - أعني قطر - اقتفت أثر دبي، لصفقنا لها بحرارة وأحببناها أكثر، ننتظر منها الأجمل لها ولدول الخليج.     * كاتب وروائي سعودي.

مشاركة :