هدنة الجنوب السوري.. «هدية» الوفاق الروسي - الأمريكي

  • 7/20/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبد المنعم المشاط على هامش «قمة العشرين» بهامبورج بألمانيا، التقى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب لأكثر من ساعتين وربع الساعة؛ وذلك لأول مرة منذ وصول الأخير إلى السلطة، وناقش الرئيسان قضايا دولية مهمة على رأسها أزمة أوكرانيا، والتجارب النووية لكوريا الشمالية، وقضايا اختراق النظم الإلكترونية والأمنية، ومسألة وقف إطلاق النار في سوريا ومستقبلها. الحقيقة أن الحوار تركز على الأزمة السورية أكثر من غيرها؛ حيث تتشابك وتتنافس وتتعارض مصالح الدولتين؛ ففي الوقت الذي تدعم فيه روسيا بشار الأسد وحكومته وتتواجد عسكرياً لهذا الغرض، كما أنشأت قاعدة عسكرية هي الأكبر خارج روسيا في ميناء طرطوس السوري، وهي بذلك تصطف إلى جانب إيران التي تدعم نظام الأسد، سواء عن طريق الحرس الثوري أو عن طريق «حزب الله» أو الأفغان الذين يطلق عليهم «جيش الفاطميين»، بينما تساند الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا، و«قوات سوريا الديمقراطية» وتدفعها إلى السيطرة على الرقة بعد انحسار نفوذ «داعش»، وتتحالف مع تركيا التي تقيم منطقة نفوذ لها في شمال غرب سوريا، وتدعم القوات المعادية للأسد وخصوصاً «فيلق الشام»، الذي يقف في صف الجماعات الإرهابية، مثل؛ «القاعدة» و«جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً)، ومع ذلك تحالفت روسيا مع كل من إيران وتركيا في مسار أستانا بكازاخستان؛ حيث تم التوصل، في 4 مايو/أيار 2017، إلى أربع مناطق للتهدئة للحد من التوتر، أولها- إدلب وبعض المناطق من محافظات اللاذقية وحماة وحلب، وثانيها- منطقة حمص، وثالثها- شرق الغوطة فيما يُعرف بريف دمشق، وأخيراً- منطقة الجنوب والمكونة من درعا والقنيطرة، وأضيفت إليهما السويداء في الاتفاق الأخير.وترتيباً على ما سبق، ونظراً للدور الروسي غير المقبول في أوكرانيا، واحتلال شبه جزيرة القرم، جدد مجلس الشيوخ الأمريكي العقوبات عليها، وظهرت بوادر جدية لحرب باردة جديدة بين الطرفين، سواء استخدام الولايات المتحدة صواريخ توم كروز ضد سوريا أو حرب أم القنابل وأبو القنابل في أفغانستان أو محاولة انفراد روسيا بالتسوية النهائية لكل من سوريا وأفغانستان، وهكذا، يمثل اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار في جنوب سوريا ثمناً متواضعاً للوفاق بين الدولتين؛ ففي إطار سياسة «الواقعية المبدئية» التي يتبناها ترامب، وفي إطار محاولة البحث عن ميادين للشراكة بين البلدين وقعا -بحضور الأردن، وبالتوافق مع «إسرائيل»- اتفاقاً لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وتفعيله كمنطقة تهدئة، وتعود أهمية هذه المنطقة إلى أنها تحازي الحدود الأردنية التي تتمركز فيها قوات أمريكية - أردنية مشتركة متأهبة لحماية الأردن من أي تدخل، وفي هذا الصدد، تحقق روسيا مكسباً مهماً بخصوص توثيق صداقتها وتعاونها مع الأردن، التي نمت بصورة ملحوظة خلال العامين المنصرمين، كما تشكل القنيطرة منطقة استراتيجية ل«إسرائيل»؛ حيث تطل على مرتفعات الجولان المحتلة. فمن المعروف أن «إسرائيل» تساند قوى المعارضة السورية المعتدلة التي تسيطر عليها بالسلاح والعتاد، وتقوم بعلاج المصابين بمستشفياتها، وكانت تسعى لتحويلها إلى منطقة عازلة بينها وبين القوات السورية النظامية، ولقد رحب كل من ترامب وبوتين بهذه الاتفاقية؛ حيث أشاد كل منهما بحكمة الآخر وقدرته على اتخاذ قرارات مهمة إلى الحد الذي يفكر فيه ترامب بدعوة بوتين لزيارة الولايات المتحدة على الرغم من عدم الانتهاء بعد من مسألة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ومصير الجاسوس الأمريكي سنودين الهارب إلى روسيا، وقد بلغ حماس وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون لاتفاق التهدئة للقول إن «كلاً من روسيا والولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق نفس الأهداف، وإن اختلف الطريق للوصول إليها؛ إذ ربما يتبع الروس الطريق الصحيح وتتبع الولايات المتحدة الطريق الخطأ»، ولكنه أكد في نفس الوقت أنه ليس هناك مكان للأسد وعائلته في حكم سوريا في المدى الطويل.ولا زال إنشاء مناطق التهدئة يثير مشكلات استراتيجية مهمة، منها: هل يعد مقدمة لتقسيم سوريا خصوصاً وأن منطقة إدلب والجنوب تتركز فيهما قوات المعارضة، بينما تتبع منطقة شمال حمص وشرق الغوطة للقوات السورية؟؛ ومما يؤكد هذا التساؤل أن هذه المناطق لا تضم منطقة الأكراد في الشمال أو المناطق التي تسيطر عليها «داعش» في شرق سوريا، ومن ناحية أخرى، من يدير هذه المناطق ويتولى مراقبتها؟ خصوصاً أن قوى المعارضة اعترضت على اشتراك إيران في عملية إدارتها والرقابة عليها، وعلى الرغم من أن روسيا قررت إرسال حوالي ألف من قوات الشرطة العسكرية المسلحة تسليحاً خفيفاً إلى تلك المناطق فيما يطلق عليه مناطق الأمن ونقاط التفتيش، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي صرح بأن هذه المسألة لا تزال محل نقاش بالنسبة لجنوب سوريا. إضافة إلى ما يثيره الاتفاق الأمريكي- الروسي حول دوره في التوصل إلى وفاق دولي بين الدولتين؛ فإنه يثير تساؤلات كبرى حول مستقبل سوريا؛ فمن ناحية، هل يتحقق بالفعل وقف إطلاق النار في الجنوب؟، وما هو مستقبل الرقة؟، ومن يستولى عليها فور هزيمة «داعش»؟، وما دور إيران وتركيا؟، وما هو مستقبل التواجد العسكري الروسي في سوريا؟ تشير المعطيات على الأرض وأطر التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا إلى أنه من الممكن أن يتم تفعيل وقف إطلاق النار؛ إذ يحتاج ترامب إلى مكاسب خارجية لدرء المخاطر الداخلية المتنامية ضده، من ثم فإن نجاحه في سوريا يحسب له عكس أوباما الذي لم يحقق أية نتائج إيجابية في تنافسه مع روسيا في سوريا، يضاف إلى ذلك أنه بالاتفاق الأخير مع بوتين يدعم ترامب الأمن «الإسرائيلي» في شمال «إسرائيل» وهضبة الجولان، إضافة إلى أنه يسعى إلى تطويق النفوذ الإيراني في سوريا بمحاولة إقناع روسيا بالمشاركة في إدارة ومراقبة الجنوب السوري. ومع ذلك؛ فإن الاعتقاد الذي ساد في أعقاب الاتفاق على إنشاء مناطق التهدئة بأنها في مصلحة بشار الأسد وأنها لم تؤثر في سيادة ووحدة وتكامل سوريا، لا يزال قائماً؛ إذ نص اتفاق أستانا على ضمان وحدة وتكامل أراضي سوريا، كما أن اتفاق بوتين وترامب لم يتطرق إلى فصل الجنوب أو معاملته كمنطقة ذات حكم ذاتي، ولابد أن نضيف أنه إذا تم القضاء على «داعش»؛ فإن قوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة لابد أن تنسحب من سوريا والعراق، وإن كان من الصعب على القوات الروسية خصوصاً القاعدة البحرية في طرطوس ترك الساحة السورية؛ إذ إن قواعد التسوية السلمية، التي تناقش في جنيف، تعكس توازن القوى بين نظام الأسد، الذي تدعمه روسيا من ناحية، وقوى المعارضة والمنظمات الإرهابية التي تدعمها تركيا والولايات المتحدة من ناحية أخرى، ولن تسمح روسيا لأحد أن ينتقص من مكاسبها التي حققتها خلال السنتين الماضيتين.

مشاركة :