مجاهد أم إرهابي؟ بقلم: فاروق يوسف

  • 7/20/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ما يعرفه المجاهـدون من الحياة لا يتخطى مساحة البندقية وكل ما ومَن يقع خارج محيط تلك المساحة هو عدو. العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/07/20، العدد: 10697، ص(8)] مجاهد أم إرهابي؟ ما الفرق إذا كان المدنيون هدفا للقتل الذي يمارسه. ولنا في أفغانستان درس عظيم. لقد خاض المجاهدون هناك حربا شرسة ضد الاحتلال السوفييتي أفضت إلى حروب عرقية وطائفية تحت ستار ديني، وهو ما سلم البلاد كلها إلى جماعة طالبان المتخلفة على شتى الأصعدة. انتقلت حركة طالبان من الجهاد إلى السلطة، ثم عادت ثانية إلى الجهاد. ثلاثون سنة من الجهاد كان الفناء نتيجتها. كم كان مؤلما أن يتحول الجهاد، بحلته الدينية الغامضة، إلى ذريعة لتدمير مستقبل البشر وحرمانهم من أسباب العيش الكريم وتحويلهم إلى لاجئين تغص بهم بقاع الأرض. لا يدرك مجاهدو طالبان ما الذي فعلوه ببلادهم. فهم أصلا لا يعرفون أين تقع بلادهم. شعارهم في ذلك مقولة الخميني “الإسلام هو وطننا”. غير أن اللافت أن طالبان وهي تحارب قد فقدت المعنى الذي ينطوي عليه مفهوم الجهاد. لقد ضاعت الأرض ومعها ضاعت فرصة السفر عبر الزمن. فليس هناك من ماض أو حاضر أو مستقبل. ما يعرفه المجاهـدون من الحياة لا يتخطى مساحة البندقية وكل ما ومَن يقع خارج محيط تلك المساحة هو عدو. لا أحد في إمكانه أن يصدق أن كل هذا القتل وكل هذا الدمار إنما يقعان دفاعا عن عقيدة. طالبان وإن ساهمت في تدمير بلد فإنها ليست سوى واحدة من جزر الإرهاب العائمة في بحر من الدم يستمد إلهامه من التعصب والعمى الفكـري والانغلاق على الأوهام الرثة. لذلك لم يعد ممكنا القبول اليوم بمحاولة استبعاد شبهة الإرهاب عن الجماعات المسلحة التي صنعت من المدنيين هدفا وحيدا لها. لقد مضى ذلـك الزمـن الذي كان فيه تمويل جماعات بذريعة أنها تقاتل من أجل الحرية إلى غير رجعـة، بعـد أن افتضح أمر علاقة تلـك الجماعات بأجهـزة مخابرات غـربية، كـانت قـد أعـدت خططهـا لشـن حـروب بديلة، ذهبت بلدان وشعـوب ضحية لها. ما جرى ويجري في سوريا كان مختبرا حقيقيا أعاد إلى الواجهة خطورة القيام بدعم وتمويل الجماعات المسلحة، بغض النظر عن ذرائع ذلك الدعم ومحفزات ذلك التمويل. فبعد أن تراجعت مسألة إسقاط النظام واستبدال نظام بشار الأسد بنظام جديد يكون مواليا للغرب لم يعد هناك سوى الإرهاب عنوانا للحرب القائمة منذ أكثر من ست سنوات. لقد قاتل السوريون بعضهم البعض الآخر في حرب شرسة شردت ملايين البشر بعد أن ألحقت بمدنهم الدمار من غير أن يلوح في الأفق شيء يكون في إمكانه أن يؤدي إلى نهاية محتملة لذلك الصراع الذي صار بمرور الوقت عبثيا بكل ما انطوي عليه من مجانية. كانت الحرب تتجدد عن طريق المناقصات، ولم يكن المقاتلون الذين قيل إنهم مجاهدون سوى مرتزقة وُظفـوا في إطار تلك المناقصات. أما حين تقاطعت مصالح الدول الراعية، وبدا واضحا أن تلك المصالح في طريقها إلى أن تتضرر، فقد رفع الغطاء عن الحقيقة وعادت الأمور إلى نصابها، وصار الإرهاب هو القاسم المشترك الذي تجتمع من حوله الجماعات المسلحة كلها، من غير استثناء جهادي. وقد يكون نوعا من السخرية أن يحاول البعض ممن تـورط في تمويـل تـلك الجماعات الدفاع عن استمراره في تورطه عن طـريق الدعـوة إلى إعـادة تعريف الإرهاب. وهو ما يستدعي العـودة بالزمن أكثر مـن ثلاثين سنة، يوم كانت فكرة الجهاد ذريعة لحرب أميركية بديلة ضد الاتحاد السوفييتي. فبعدما تم تصنيف الجهاد باعتباره إرهابا بسبب النتائج المأساوية التي أفضى إليها، صار من الصعب اليوم قلب المعادلة ليكون الإرهاب جهادا. وهو ما يخدم رؤية البشرية لمستقبلها الحقيقي. فمَن غير المعقول أن تستمر دورة العنف في هذه المنطقة من العالم في ظل شعارات دينيـة أثبتت كل الوقائع أنها لم تُرفع عدلا ولا دفاعا عن حق الإنسان في حياة حرة كريمة. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :