مثقفون مصريون ينتقدون هيمنة السلطة على الإبداع بقلم: شريف الشافعي

  • 7/21/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مثقفون مصريون ينتقدون هيمنة السلطة على الإبداع العلاقة بين المثقف والسلطة تعتبر من العلاقات الأكثر إشكالية على مر التاريخ وعلى اختلاف الثقافات والمجتمعات البشرية. وقد أثار متحدثون في ندوة بأتيليه القاهرة إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، منتقدين ما وصفوه بتدجين المبدع في بعض الأحيان، وانصياعه لوصاية قد تفرضها مؤسسات وجهات رسمية، الأمر الذي يحد من انطلاق الكلمة، ويكبح جماح التجديد.العرب شريف الشافعي [نُشر في 2017/07/21، العدد: 10698، ص(15)]المبدع ليس ابن السلطة اتفق المتحدثون في الندوة، التي انعقدت مساء الثلاثاء لإحياء الذكرى السابعة لرحيل الشاعر محمد عفيفي مطر (1935-2010)، على أن الإبداع والحرية وجهان لعملة واحدة، مشيرين إلى أن أهم ما تميز به شاعر “البكاء في زمن الضحك” هو الاستغناء، إذ نأى عفيفي مطر بنفسه على مدار حياته عن كافة أشكال الهيمنة والسلطوية، ليكون رمزًا للمقاومة والتحدي والاستقلالية، ما مكنه من إفساح المجال أمام القصيدة الحداثية للمغامرة والتجريب بدون قيود. عفيفي مطر، لم تحتفل به المؤسسة الرسمية هذا العام، ممثلة بوزارة الثقافة المصرية وقطاعاتها وهيئاتها، على أن الناقد شوكت المصري، أحد المتحدثين في الندوة، أشار إلى اقتراب صدور طبعة جديدة من أعمال عفيفي مطر الكاملة، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي، وتشمل دواوينه الشعرية، وكتاباته للأطفال، وترجماته. الهم الإنساني والمجتمعي لم يكن الشاعر في حياته على وفاق مع المؤسسة الرسمية، على الصعيدين الثقافي والسياسي، لذا تأخر كثيرًا الالتفات الجاد داخل مصر إلى تجربته الشعرية كأحد الحداثيين المؤسسين في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فاتجه مطر إلى دمشق وبغداد وبيروت ولندن، حيث نشر دواوينه الطليعية، ومنها “من دفتر الصمت”، “الجوع والقمر”، “ملامح من الوجه الأمبادوقليسي”، “كتاب الأرض والدم”، “النهر يلبس الأقنعة”، وغيرها. وبعد رحلة طويلة لمطر قضاها خارج مصر، تأصل خلالها اسمه في صدر حركة الحداثة الشعرية على الصعيد العربي كابن من أبناء الجيل الثاني لشعر التفعيلة بعد جيل الرواد، منحته الدولة في وقت لاحق جائزتها التشجيعية في الشعر في العام 1989، والتقديرية في العام 2006، إلا أن أعماله الكاملة صدرت أولا عن دار نشر خاصة هي دار الشروق في العام 2000، قبل أن تعيد هيئة الكتاب إصدارها. وبلغ الخلاف السياسي بين مطر والنظام المصري ذروته في أثناء حرب الخليج في تسعينات القرن الماضي، وعارض بقوة الحرب على العراق، وتم اعتقاله لهذا السبب في العام 1991، وتردد وقتها أنه تعرض للتعذيب، وقد ترجم مطر هذه التجربة المريرة إلى صرخات شعرية جميلة في ديوانه “احتفاليات المومياء المتوحشة”. ولدولة العراق، بصفة خاصة، منزلة في قلب الشاعر عفيفي مطر، الذي عاش على أرضها سنوات طويلة، ونشر دواوينه المهمة فيها، وربطته أواصر صداقة بمثقفيها ومبدعيها، كما تردد أنه وقف على الجبهة إلى جانبها في الحرب العراقية الإيرانية، وهذا ما أكده خلال الندوة الناقد شوكت المصري، زوج ابنة عفيفي مطر.كان عفيفي مطر شاعرا إشكاليا بكل ما تعنيه الكلمة، يعيش ما يكتبه ويكتب ما يعيشه واعتبر الناقد مدحت طه، الذي أدار احتفالية عفيفي مطر بالأتيليه، أن التجربة الشعرية والنضالية لمطر تعد نموذجًا في التحرر الجمالي على صعيد الحرف، وفي فعل المقاومة على الأرض، داعيًا الأجيال الجديدة من شباب المبدعين إلى التسلح بمثل هذه الإرادة في التثوير وفي المقاومة، من أجل فرض الشخصية، والحفاظ على الهوية، وتحريك الراكد والساكن. لمس طه دائرة ضوء أخرى في تجربة عفيفي مطر الشعرية، هي اعتناؤه بالشأن المجتمعي في المقام الأول، وتغليبه للهم العام على انشغالاته الفردية، ليكون صوتًا للمجموع، ولسانًا لهم في معتركات الحياة. واستدعى طه رحلة مطر إلى فرنسا، في احتفالية مرور 200 عام على الحملة الفرنسية، قائلا “لم يسافر مطر إلى فرنسا من أجل هدف شخصي، لكن لكي يقول للفرنسيين على أرضهم عبارة واحدة نابعة من روح الشعب المصري، هي ‘لا أذكر من الحملة الفرنسية سوى خيولها في الأزهر‘”. عفيفي مطر، الذي مات إثر معاناته من تليف كامل في الكبد “مثل أي مصري عادي يعيش في الغيط”، مثلما رثاه رفيقه الشاعر العراقي سعدي يوسف، استطاع أن يفتح القصيدة العربية على عوالم محلية وشعبية شديدة الخصوصية، ملتصقة بالريف المصري، ومستوحاة من أساطير القرية بقمرها وخبزها وسحرها وجنياتها، ويتجلى ذلك في ديوانه “يتحدث الطمي”، وغيره من أعماله الشعرية، فضلًا عن كتابه النثري للأطفال “مسامرة الأولاد كي لا يناموا”. أمير شعراء الظل بدوره أشار شوكت المصري إلى تلك الملامح المصرية في شعر مطر، معتبرًا أن تجربته تنتمي إلى الحس الشعبي والحكاية الشعبية بقدر ما تؤسس للحداثة، فالشاعر هو ابن الأرض والطمي، وقصائده لم تكن صعبة ولا نخبوية كما رأى البعض، لكنها تحتاج إلى تعامل خاص من المتلقي الواعي، القادر على تفكيكها، ليتقصى الدلالات المصرية فيها، والروافد التراثية العربية، ولوازم المعرفة الغربية، والأساطير اليونانية، والأعماق الفلسفية، وكلها تتضافر في نسق إنساني رفيع، محكم وشامل. ويعد الشاعر محمد عفيفي مطر، المتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب، أحد المتعمقين في النفس الإنسانية والشأن الفلسفي، والمتبحرين في استقصاء التجربة الصوفية على وجه الخصوص، ويعكس ديوانه “أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت” هذا التعانق بين الشعري والفلسفي والتصوفي في آن واحد، وعن هذا الانسجام بين شخصيته وكتابته يقول شوكت المصري “كان مطر يعيش ما يكتبه، ويكتب ما يعيشه”. وطرح الشاعر محمود قرني في الندوة تساؤلًا، هو: لماذا احتفظت تجربة عفيفي مطر بهذا القدر من الحيوية؟ وأجاب بنفسه قائلًا: لأن ما يفصح عنه الشاعر بالقول ظاهريًّا يدّخر أكثر منه باطنيًّا، وهنا يكمن سر الثراء والتراكم، فالمغامرة تولد مغامرة، والبحث عن الاكتمال لا يتوقف.الشاعر في حياته لم يكن على وفاق مع المؤسسة الرسمية، على الصعيدين الثقافي والسياسي، لذا تأخر كثيرا الالتفات إليه ويرى أن مقولة الصوفي الإمام النفري “العلم المستقر هو الجهل المستقر” بإمكانها تقديم تفسير أولي لتركيبة عفيفي مطر الفنية والذهنية والنفسية، فهو منحاز لوعي مغاير، شديد الجذرية، وسعيه إلى الخلخلة وتجاوز السائد والمألوف يأخذه دائمًا إلى دوامات لا تعرف الركود، تكاد تنسف البديهيات نسفًا. “هو الشاعر، الذي ربما ينزل إلى أبعد طبقات الجحيم، لكنه حين يعود، يحوّل الجحيم إلى غناء”. هكذا وصف الكاتب سعيد الكفراوي صديقه عفيفي مطر، مشيرًا إلى أن نصوصه تبرهن أن “أمه ولدته في الحقول”، فهو الشاعر الإنساني، الكوني، المقيم في الرحيل. ووصفه الشاعر حسن خضر، في حديثه بالندوة، بأنه “أمير شعراء الظل”، قائلًا إنه أمير البحث عن الحقيقة أيضًا، ليس بمعنى التصادم المجاني وافتعال الأزمات، لكن بمنطق القراءة المغايرة للأمور، للوصول إلى ما هو صحيح وسديد. وفرق خضر بين عفيفي مطر ورفقاء جيله أمثال الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي إزاء القضايا الإشكالية مثل ظهور قصيدة النثر، على سبيل المثال، حيث عارضها حجازي قلبًا وقالبًا، انطلاقًا من مفاهيم سلطوية، بحد قول خضر، في حين لم يعادها عفيفي مطر، رغم عدم انحيازه لها أيضًا، لكنه كان يقدر قيمة التجديد والتغيير والتجريب، ولم تكن هناك لديه انحيازات مسبقة إلى أي سلطة ثقافية تفرض عليه رأيًا أو اتجاهًا، لذلك بدا موقف عفيفي مطر من الشعراء الشباب أكثر إيجابية. واتفق كثيرون على أن عفيفي مطر شاعر إشكالي بكل ما تعنيه الكلمة، على الصعيدين؛ الفني والشخصي، وشاعر كوني تتلاقى في تجربته الثقافات والحضارات، ومفهوم الشعر لديه أوسع نطاقًا من حيز قصيدة النثر أو أي شكل إطاري، لذلك تواصلت مع تجربته تيارات شعرية متعددة، بدون خصومة، وبلا صدام.

مشاركة :