الناس أذواق ؟ هناك مجموعة من الأصدقاء خرجوا في نزهة وبعد تلك النزهة القصيرة شعروا بالجوع وتشاوروا بينهم أي مطعم يختارون , فاختلفوا كلاً له رأيه ورغبته وأشتد التشاور على أي مطعم يذهبون , وبعد مجادلاتٍ طويلة استقر الرأي على أحد المطاعم ولكن بكل تأكيد هناك من هو رافض ولكن بالأخير اقتنع مع البقية من غير رغبةً داخلية , وبعد التوجه للمطعم المتفق عليه واختاروا أي طاولة يجلسون عليها وإذا بعامل المطعم يتجه لهم ليأخذ رغباتهم في الأكل وبدأ كل واحداً منهم بطلب رغبته وبكل تأكيد اختلفوا عن بعض في الأكل فكلاً اختار ما يشتهي ويناسب رغبته بالإضافة والنقص , وبعد الانتهاء من وجبة العشاء انصرف كل واحداً منهم إلى بيته , فنجد في القصة السابقة إن البشر جميعاً بأشكالهم وألوانهم التي خلقهم الله بها , تتنوع رغباتهم في كل شيء وتبرز حكمة الله في خلقه وسننه في الحياة , أن هيأ في الحياة كل سبل الراحة والمتاع والذي لا محالة زائل , ومع كل ما أنعم الله به على البشرية أجمع من نعم ظاهرةً وباطنه ,إلا أن الاختلاف بين البشر موجود وكما قيل ( لو اتفقت الأذواق لبارت السلع ) , فكثيراً نجد النقاشات الحادة ربما والصراخ بسبب التفاوت حول أمراً ما عند الاختيار يا ترى ماهو السبب ؟ وهل لدينا ثقافة الاختلاف مع الآخرين ؟ وهل لدينا القناعة التامة بأن الاختلاف لا يفسد للود قضية ؟ أما أننا ما زالنا في عصر الجاهلية ما أريكم إلا ما أرى ؟ للأسف كثير من الآباء والأمهات صادروا حقوق أبنائهم في الاختيار وفي أبسط الأشياء من أكل وشرب ولبس وغيره وبالأخير يرجون في المستقبل أبناء يعتمد عليهم , فكيف يأتي الاعتماد عليهم ؟ وهم لم تترك لهم حرية الاختيار والاعتماد على النفس , وبناء الثقة في القرارات التي يختارونها , وقس على ذلك أموراً كثيرة فاختلاف الناس سنةً كونية , ولكن المطلوب هو الإيمان بوجود تلك الاختلافات وعدم جعلها حاجز بيننا وبين الناس وأن لا نجعلها تقيم العقبات مع الآخرين , و لا نتشاجر مع الأصدقاء والأبناء والزوجات بسبب الاختلاف فكلاُ له رغبته ورأيه حول أي أمراً كان , فلو عرفنا هذا الأمر لبات كل شيء أمره سهل والتعامل مع الآخرين أسهل لكوننا عرفنا أن الاختلاف موجود وأنها غريزة في النفس البشرية , وعليه يجب أن لا نتعجب عند رؤيتنا للناس وهم يأكلون عكس ما نأكل أو يشربون أو يلبسون أو يشترون غير ما نشتري فكلاً له ذوقه ورغبته ,ولا نصادر رغبات الآخرين لأجل رغبتنا المتناقضة لرغبتهم فعلينا أن نقدر مشاعر الآخرين عند إجبارهم على غير ما يريدون ويشتهون , ولنرضى بمبدأ التفاوت والاختلاف في الرغبات لكي لا يكون هناك مزيداً من الخصام والفراق بين الأصدقاء وأفراد الأسرة والزوجين , ونجد أن الاختلاف موجود بين الناس حتى في العبادات فمنهم مسابقاً للخيرات , ومنهم مقتصد ومنهم ظالماً لنفسه , فهذه دليلُ على أن الاختلاف موجود حتى في أكبر الأمور وأهمها ألا وهي العبادة , فما بالك بما هو دون ذلك ؟ فعلى الوالدين أن يتركوا لأبنائهم حرية الاختيار وفق ضوابط سابقة بينهم , وكذلك الأصدقاء بينهم عند السفريات والجلسات وغيرها , فعلينا أن نحترم أذواق الآخرين ولا نستهزئ بها كما يفعل البعض منهم وخاصة عند الأكل فلكل واحداً رغبته في طعامٍ معين وطريقةً في الأكل فلا تجعل نفسك عرضة لأن يكرهك الآخرين بسبب تدخلك في أذواقهم ورغباتهم الشخصية , فتخيل نفسك مكانهم فكيف ستجد النقد لو وجهه أحداً إليك , فما هي ردة فعلك ؟بكل تأكيد سوف تأخذ بخاطرك عليهم وربما تخاصمهم على النقد الموجه لك , فلنرتقي بتعاملنا مع الآخرين , ولنحترم أذواقهم , ولنقدر رغباتهم الشخصية فهي بالأخير حريةً شخصية لهم , ومن كان لا يفرق الأمر معه في شيء وخاصة عند الأكل فليتنازل لرغبات الآخرين ممن لديهم رغبة معينة , إذا كان الأمر عنده سيان , فمنها يكسب محبتهم وكذلك احترامهم وتبرز شخصية التواضع فيه لكونه تنازل من أجل البقية , وأخيراً علينا أن نقدر مشاعر الآخرين حينما نضايقهم في أماكن وقوف سياراتهم وخاصة عند المنازل فللأسف كثيراً من أصحاب السيارات لا يقدرون للآخرين مشاعرهم عندما يقفون في موقف مخصص لأصحاب البيوت والشقق , ومضايقتهم في الطرقات والوقوف خلف سيارات الآخرين وخاصة عند الأسواق والمنتزهات والمساجد وغيرها فيجب علينا أن نستشعر بشعور الآخرين حينما يرجع لسيارته ويجد من يقف خلفه ويسد الطريق عليه , فعلينا أن نرتقي بأخلاقنا وتعاملنا مع الناس لنكسب الأجر والاحترام ونظهر شخصيتنا المتميزة والطيبة , وتذكر قول الله تعالى ( فمن عامل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) وتذكر حديث رسولنا الحبيب , عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، رواه البخاري ومسلم .
مشاركة :