بقلم مدير التحرير - عبدالله طالب المري : الجمعة لم يكن يوماً عادياً في حياة قطر وشعبها الوفي، كان يوما آخر لتأكيد التلاحم والتكاتف بين الشعب والقائد، كان رسالة أخرى متبادلة بين القائد وشعبه عنوانها الإخلاص والوفاء والحب، في مساء هذا اليوم ألقى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى خطاباً تاريخيًا مهماً إلى شعبه والعالم، كان القطريون ينتظرون إطلالة أميرهم عليهم عبر الشاشة، ويتشوقون للاستماع إلى خطابه وما سيحمله من معانٍ ومضامين، الشعب القطري كله يقف في خندق واحد مع أميره دفاعاً عن عزة وكرامة وسيادة الوطن الغالي، الشعب كان متيقناً من أن خطاب الأمير سيكون وثيقة تؤكد هذه المبادئ ولا تحيد عنها أبداً، قطر وزعيمها يتَّحدان على نفس الموقف والتوجّه والسياسة والقرار، كتلة واحدة لا تستطيع العواصف والأنواء مهما كانت شدتها أن تفت في عضدها أو أن تحركها من مكانها، ارتباط وترابط وثيق على قيم ومبادئ الحق والتمسك به والدفاع عنه مهما كان الثمن، نحن على حق ومع الحق لذلك لانقبل التنازل أو التفريط أو الاستسلام، إنما نحن مع السلام والحوار والنقاش والتفاوض دون شروط أو إملاءات مع الحفاظ على السيادة الوطنية الحرة المستقلة. نعم، كان الشعب القطري الكريم ينتظر كلمه صاحب السمو، وهو متسلح بالحب والولاء لقائد هذا الوطن الأبيّ الذي رفض تقويض سيادته وإرادته، ويصبح مثل بعض الأوطان يسير خلف الركب بلا قرار أو سيادة. نحبك يا صاحب السمو وأرواحنا فداء لوطننا ولقائدنا الذي نبادله الحب بالولاء والوفاء والفداء وكلنا يتذكر خطاب صاحب السمو في القمه العربية بالكويت 2014 عندما قال «اللهم اجعلنا من الذين تحبنا شعوبنا ونبادلها حباً بحب»، يعلم الله أن حبك كبير في قلوب كل القطريين والقطريات الكبار والصغار فنحن تعلمنا منك الشموخ والعزة والكرامة والشهامة فخطابك أثناء توليك للحكم خلفاً لسمو الأمير الوالد يجعلنا نستذكر ماقلته عام 2013، فقد أكدت في خطابك أن الواقع الجديد قد يبهر الأنظار فيفقد البعض توازنه من بلاغة المديح والإطراء، وهو من جهة أخرى قد يثير حسد الحاسدين فيسيئون لقطر ولأهلها ظلماً وبهتاناً، ونحن لا يجوز أن ننزلق إلى أي من الطّرفين، فالأهم في موقع قطر الدولي والإقليمي الجديد أنه نقل قطر من دولة تصارع على بقائها ونموها إلى دولة واثقة راسخة المكانة. ويجب أن نستفيد من هذه المنزلة وأن نفيد الآخرين أيضاً، ولا يجوز أن نصاب بالغرور فالتواضع الذي طالما عُرف به القطريون هو سمة الأقوياء الواثقين، فقد جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ليؤكد من جديد الموقف الثابت لدولة قطر وشعبها من الأزمة الخليجية ومن الحصار الجائر الذي ضربه الأشقاء بلا مبرر ولا أدلة منذ أكثر من شهر ونصف اعتمادًا على فبركات واختراقات ثبت للجميع مَن وراءَها. وأثبت خطاب الكرامة ما تملكه قطر وشعبها من عزيمة وإصرار، ومن قوة في الثبات على الحق، وأكد أنه خطاب يمثل العزة والشموخ وكرامة كل القطريين، ويعكس صمودهم وتكاتفهم خلف قيادتهم الرشيدة بكل ما أوتوا من قوة، مؤمنين بالله، واثقين في حكمة قائدهم وثباته وهدوئه وقدرته وسعيه الحثيث بأخلاق نبيلة من أجل حل هذه الأزمة بالحوار وبالتفاهم القائم على الاحترام المتبادل بعيداً عن أي شروط أو تخطٍّ للسيادة القطرية. عكس الخطاب السامي مدى اتزان الحكمة القطرية في أصعب المواقف، والهدوء الواثق أمام أقوى العواصف، وهي حكمة أجبرت الجميع على احترامها، وأكدت في نفس الوقت قدرتها على مواجهة الادعاءات الكاذبة والاتهامات الواهية. الحكمة القطرية وحكمة القائد جعلت حياة القطريين وإخوانهم المقيمين على حد سواء وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، حياة طبيعية لم تتأثر بالحصار الجائر الذي قطع صلة الرحم وصلة الأشقاء والأخوة. استمعت مثلي مثل كل القطريين بكل حواسي للخطاب التاريخي لصاحب السمو، ودقّقت في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل جملة، وتأملت معانيه بكل دقة، والحقيقة أنه كان خطاباً صادراً من القلب فدخل إلى قلب كل مواطن، وكانت لغته واضحة ولم يكن بحاجة إلى لغة خاصة، حيث شعر كل مواطن أنه في قلب قائده، وأن قيادته قريبة منه ومن كل أفراد الشعب القطري الكريم. لو تأملنا في خطاب الكرامة وخطاب صاحب السمو، وأردنا تحليله من جميع النواحي، فهو خطاب شامل ووافٍ، قيل في أقل عدد من الكلمات وهو ما يدل على الثقة ويؤكد أن القائد حدد أسباب المشكلة وسبل علاجها بطريقة عملية بعيداً عن الخطب الصماء والإنشائية التي لا يفهم منها أحد أي شيء. لعل من أهم الرسائل التي تضمنها خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، هذه الروح القطرية العالية وهذه الوقفة الشعبية من أبناء وطنه منذ اللحظة الأولى للأزمة والحصار الجائر وقفة الشعب القطري وكما أكد صاحب السمو كانت وقفة عفوية طبيعية انطلقت من حب أبناء قطر لبلدهم وإصرارهم على الدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة رغم كل ما تعرضوا له من أذى خاصة على المستوى المعنوي جراء الاتهامات الظالمة غير المبررة وغير المستندة إلى أي قانون، وجراء الحصار الذي طال العائلات والأسر المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكل العائلات والأسر الخليجية. كان خطاب صاحب السمو درساً في الأخلاق النبيلة والمثل العليا عندما أشاد سموه برد فعل الشعب القطري إزاء كل الاتهامات التي تعرض لها، وإزاء الأذى الذي تعرض له بعض أبنائه ممن كانوا متواجدين في بعض الدول الخليجية، حيث لم يرد القطريون بنفس المعاملة، بل قابلوا الإساءة بالحسنى. وكم كان رائعاً صاحب السمو عندما دعانا إلى الاستمرار على نفس النهج وأن نظل متمسكين بأخلاقنا النبيلة حتى في الخلافات وفي المشاكل والأزمات وكم كان سيدي سمو الأمير المفدى رائعاً عندما أكد رفض قطر التعامل بالمثل مع الأشقاء الخليجيين المقيمين في الدوحة، تاركا لهم حرية القرار في البقاء في قطر معززين مكرمين أو في العودة إلى دولهم. ولم يكن غريباً في خطاب الكرامة أن يؤكد من جديد على الدفاع عن سيادة قطر وحقها في أن يكون لها سياساتها الخارجية المستقلة مثلها في ذلك مثل أي دولة في العالم، بما في ذلك دول الحصار نفسها، فلا يوجد في العالم من يستطيع أن يفرض على دولة سياستها الخارجية، ولو وجدت فلن تكون قطر التي أثبتت وتثبت يومياً أنها لن تتخلى عن سيادتها مهما حدث ومهما طال الحصار الجائر. لقد أثبت الخطاب التاريخي أن هناك سياسات خارجية لبعض دول الخليج لا ترضى عنها قطر، خاصة في قضية التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين الإرهاب، وغيرها من القضايا. ومع ذلك لم تفرض قطر رأيها على هذه الدول احترامًا منها لسيادة الآخرين الذين لا يريدون التدخل في سيادتها وفي سياساتها الخارجية. لقد لخص خطاب صاحب السمو المشكلة والأزمة في كلمات معبرة وكلمات بسيطة عندما قال إن بعض الأشقاء اعتقدوا أنهم يعيشون وحدهم في هذا العالم، وأن المال يمكنه شراء كل شيء، وتبين لهم أنه حتى الدول الفقيرة لديها كرامة وإرادة، وأنه لا يمكنهم فرض أمور تجاوزها التاريخ. وأثبت صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه التاريخي، الرقي القطري والأخلاق القطرية النبيلة عندما أكد أن قطر تعلّم أبناءها منذ الصغر أن الوشاية والكذب رذيلتان من أسوأ الرذائل، وإن قيام بعض الدول باتباع أسلوب التشهير والافتراء على قطر بنوع من الوشاية السياسية ضدها في الغرب جريمة يحاسب عليها القانون في جميع الدول المتحضرة. لعل من أهم الرسائل التي تضمنها خطاب الأمير المفدى، التأكيد على أن قطر من أوائل وأكثر الدول التي ترفض وتكافح الإرهاب بشتى السبل، ولعل الاعتراف العالمي والدولي بدور قطر في مكافحة الإرهاب أكبر دليل على ما تقوم به قطر في هذا المجال إيمانًا وثقة منها أن الإرهاب جريمة بشعة ضد الإنسانية، وليس لإرضاء أحد في الشرق أو الغرب. وكان الأمير المفدى واضحًا وصريحًا في هذا الأمر عندما أصر على التفريق بين الدين الذي يعتبر وازعًا أخلاقيًا وأنه ليس مصدرًا للإرهاب، وبين الأيديولوجيات المتطرفة الدينية والعلمانية، التي تعتبر مصدرًا للإرهاب في البئية السياسية الاجتماعية التي تنتج اليأس والإحباط. وهنا لنا وقفة مهمة مع الإرهاب نحن نختلف مع البعض بشأن مصادر الإرهاب، فنحن مثلا نقول إن الدين ليس مصدر الإرهاب وإنما أيديولوجيات متطرفة دينية وعلمانية. وحتى هذه الأيديولوجيات المتطرفة تصبح مصدرا للإرهاب فقط في بيئة سياسية اجتماعية تنتج اليأس والإحباط. الخطاب التاريخي للأمير المفدى كشف عن الإيجابيات التي نتجت عن الأزمة والحصار الجائر عنها، وأنه «رب ضارة نافعة» وكما قال ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم). الحصار الجائز أمر كرهناه، لكنه كان خيراً في نفس الوقت لنا، حيث كشف لنا عن ضرورة تنويع مصادر دخلنا، وضرورة تحقيق استقلال اقتصادي ضمن علاقات ثنائية من التعاون مع الدول الأخرى، في محيطنا الجغرافي وفي العالم أجمع، وعلى أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. ومن هذا المنطلق كانت دعوة صاحب السمو في خطابه إلى تطوير مؤسساتنا التعليمية والبحثية والإعلامية ومصادر قوتنا الناعمة كافة على المستوى الدولي، وفي تفاعل مع أفضل الخبرات القطرية والعربية والأجنبية. وهذا كله بالطبع بالتعاون مع المقيمين في بلادنا الذين يعملون وينتجون ويعيشون معنا، ووقفوا معنا في هذه الأزمة. لقد وضع الأمير المفدى النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بالأزمة، ووضع أيضاً سبل حلها على أساس مبدأين هامين أولهما: أن يكون هذا الحل في إطار احترام سيادة الدول، وثانيهما: الابتعاد عن وضع الإملاءات من طرف على طرف آخر. هذان المبدآن قد يراهما البعض غير كافيين لحل أزمة كبيرة مثل الأزمة الحالية، لكن إذا خلصت النوايا، وسعى الجميع إلى حل فِعلي وعملي، فهذان المبدآن كافيان للغاية وسيكونان أولى الخطوات القوية في حل المشكلة والأزمة. في النهاية، ورغم الأزمة التي تحيط بالجميع، ورغم انشغال القائد ببلده وشعبه، وبذل كل جهد من أجل عدم شعور المواطن وحتى المقيم بأي نقص، إلا أن الأمير المفدى لم ينس القضية الفلسطينية، وكان حريصًا على التأكيد في خطابه على التعبير عن تضامن قطر مع الشعب الفلسطيني خاصة في القدس في هذه اللحظات العصيبة. أصر الأمير المفدى على أن يعلن باسم كل قطري استنكاره لإغلاق المسجد الأقصى، داعيا أن يكون ما يحدث فرصة للوحدة والتماسك والتضامن. TWITTER : abtvxrraya
مشاركة :