منظمة مجاهدي خلق تعتبر فصيلا إيرانيا واحدا، ولا تمثل كافة القوى الفارسية، فما بالك بالشعوب غير الفارسية التي لا تربطها أيّ تفاهمات سياسية -ما عدا الأكراد.العرب جمال عبيدي [نُشر في 2017/07/23، العدد: 10700، ص(4)] لم يكن نظام الشاه في إيران ليسقط لولا تضافر الجهود بين الشعوب القاطنة في جغرافية إيران السياسية في كل من إقليم الأحواز وكردستان وأذربيجان وبلوشستان وتركمانستان. بعد ما استعصى الأمر على الخميني والمحيطين به في المضي قدما بالثورة طلبوا العون من قادة الشعوب غير الفارسية لإلحاق أقاليمهم ذات الثقل السكاني والاقتصادي بالمركز لإسقاط الشاه. واشترط قادة هذه الشعوب على الخميني أن يتعهد لهم خطيا في حال نجحت الثورة أن تنال حقوقها التاريخية والقومية والسياسية. بعد ما انتصرت الثورة، كان الخميني بحاجة ماسة إلى تقديم رؤيته وتوجهاته السياسية والفكرية للإعلام الغربي -والفرنسي تحديدا-، خصوصا أن هذا الإعلام كان يترقب التوجهات التي ستسلكها إيران الجديدة، وهو ما دفع الخميني إلى قبول مقترح إبراهيم يزدي (أحد مستشاري الخميني في تلك المرحلة، والقيادي في جبهة آزادي الإيرانية -جبهة تحرير إيران-)، بكتابة مسودة دستور والتي صاغها من باريس حسن إبراهيم حبيبي بناء على طلب يزدي (كما ورد في كتاب ذكريات إبراهيم يزدي). ويقول إبراهيم يزدي في إحدى رسائله مخاطبا نجل الخميني، أحمد الخميني، عندما تم تخوين يزدي والتشهير به من قبل النظام “أنت تعرف جيدا أنّي من كتب لوالدك برنامجه السياسي والتنفيذي.. وأنا من أعطى فكرة تأسيس الحرس الثوري ولا سيما فكرة يوم القدس العالمي.. وغيرها من المؤسسات الأخرى”. إلا أنه لكثرة القوى والأحزاب في جغرافية إيران السياسية وتنوّعاتها القومية ومشاربها السياسية المتضاربة بعد انتصار الثورة رُفِضَت هذه المسودة التي كتبها حسن حبيبي ونقحها الخميني في ذلك الوقت في باريس بما يتناسب ومشروعه السياسي الذي تُستَمد أفكاره أساسا من طروحات حسن البنا وسيد قطب، وعبر القوى والتيارات السياسية والقومية والدينية الفاعلة والنشطة جدا في الشارع الإيراني في أوائل الثورة. وعلى ضوء تصاعد حدة الاحتجاجات في العاصمة طهران والأقاليم غير الفارسية كلّف الخميني رئيس الوزراء مهدي بازركان بتشكيل هيئة تأسيسية لكتابة الدستور ريثما يتمكن من القضاء على الخصوم والمطالب القومية والسياسية، وفعلا وافقت الحكومة على تأسس المجلس الأعلى للتصميمات الثورية وأنيطت بهذا المجلس مهمة كتابة الدستور في تاريخ 28 مارس 1979. لم يأخذ هذا المجلس بعين الاعتبار مطالب الشعوب غير الفارسية، ولا سيما تلك الوعود التي قطعها الخميني على قادة الشعوب. من هنا انتفضت الأقاليم وخاصة الأحواز وكردستان وتركمانستان مطالبة بحقوقها التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية استمرارا لنضالها. وفي إقليم الأحواز الذي يشكل الشريان الاقتصادي لعموم جغرافية إيران السياسية كانت مدينة المحمرة مركزا نشطا للحراك القومي العربي، وذلك لقرب المحمرة من مدينة البصرة العراقية، ومنفذا من منافذ الأحواز للخليج العربي من جهة ولجوارها لمدينة عبادان أهم المدن العربية في الشرق الأوسط آنذاك لمكانتها الاقتصادية كونها تحتضن أكبر مصفاة لتكرير النفط وأكبر خزان للوقود في المنطقة من جهة ثانية. وبعدما اشتدت المطالب العربية في الأحواز تحول رجل الدين الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني إلى زعيم روحي، والتفت حوله الجماهير العربية لتتحول مدينة المحمرة والمراكز الثقافية ومقرّ المنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي عموما إلى مركز للحراك والنشاط السياسي. هذا الوضع السياسي المضطرب في عموم إيران وأقاليم الشعوب بدءا من فارس وعاصمتها طهران ومرورا بتركمانستان وبلوشستان وحتى أذربيجان وعاصمتها تبريز، استوجب على حكومة مهدي بازركان أن تتدخل لتهدئة الوضع. كانت كردستان باكورة هذه الاحتجاجات للمطالبة بالحقوق، إضافة إلى احتجاجها على الدستور الجديد وما تضمّنه من مخالفات حقيقية للحقوق القومية والسياسية للشعوب غير الفارسية. فشكلت حكومة مهدي بازركان المؤقتة برئاسة داريوش فروهر هيئة سميت بهيئة المساعي الحميدة (هيئت حسن نيت)، وذهبت لإقليم كردستان لتدارك الموضوع هناك. ويبدو أنها أجرت مناقشات مطولة مع الهيئة الشعبية للشعب الكردي برئاسة عبدالرحمن قاسملو، وتمت الموافقة على أن ينال الأكراد الحكم الذاتي لإدارة شؤونهم. إلا أن الفرس انقلبوا على ذلك واندلعت الحرب هناك. وأما الأحواز ولأهميتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي فقد جاء رئيس الحكومة المؤقتة مهدي بازركان للمحمرة شخصيا، والتقى محمد طاهر آل شبير الخاقاني وتباحث الطرفان حول الآلية المناسبة التي من شأنها أن ينال بها الشعب العربي الأحوازي حقوقه التاريخية والقومية والسياسية والاقتصادية في إطار الدولة والنظام الجديد. وفيما وافق رئيس الوزراء مهدي بازركان على أن يتضمن الدستور الإيراني كافة المطالب العربية الأحوازية. كما ذهب آية الله آل شبير الخاقاني لمدينة قم والتقى الخميني وأكد الأخير على مشروعية المطالب الأحوازية وضرورة تحقيقها وإدراجها في الدستور الإيراني المفترض. وفي خضم المباحثات والمناقشات المقرّرة بين الشعب العربي الأحوازي وحكومة مهدي بازركان، أرسل الأخير كتابا لآية الله محمد طاهر آل شبير الخاقاني أكد من خلاله موافقة الحكومة على المطالب، إلا أنه وفي نفس الوقت كانت الحكومة تعدّ العدة للقضاء ثانية على عاصمة العرب المحمرة. وفي فجر يوم الأربعاء الموافق للـ30 من مايو عام 1979 تمت محاصرة المدينة من كل الأطراف، وذلك بعد ما حشدت الحكومة الإيرانية قواتها الخاصة والبحرية وكذلك قوات التعبئة والحرس الثوري الذي تأسس حديثا بقيادة الأدميرال أحمد مدني، لتُفتَح نار الحقد على المواطنين العزّل من أفواه المدافع والدبابات. وراح ضحية هذا العدوان المئات بين شهيد وجريح وأسير. وممّا لا شك فيه أن الشعوب القاطنة في جغرافية إيران السياسية عموما، والجماعات المعارضة، لا سيما منظمة مجاهدي خلق الإيرانية تتطلع إلى الخلاص من النظام الجمهوري الإسلامي؛ لكن رغم هذا المسعى المشترك إلا أنه لا تربط بين المنظمة مثلا وبقية الشعوب غير الفارسية روابط متينة. وتعتبر منظمة مجاهدي خلق فصيلا إيرانيا واحدا، ولا تمثل كافة القوى الفارسية، فما بالك بالشعوب غير الفارسية التي لا تربطها أيّ تفاهمات سياسية -ما عدا الأكراد. وعليه، ما لم تعترف منظمة مجاهدي خلق بالحقوق التاريخية والجغرافية والقومية والسياسية والثقافية والاقتصادية لهذه الشعوب التي تشكل تقريبا 70 بالمئة من مجموع السكان في إيران، وأن يتضمن “حرفيا” دستورها ونظامها الأساسي العام وخطابها السياسي هذا الاعتراف، فمن دون ذلك لا أعتقد أن منظمة مجاهدي خلق أو أيّ فصيل فارسي آخر سيتمكن من الانتصار في معركته القادمة مع النظام في طهران. وأخيرا وليس آخرا، فإن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في منظمة مجاهدي خلق محمد محدثين، وفي أكثر من مناسبة، أكد على أن الحكم الذاتي في إيران المستقبل حق مشروع للأقاليم غير الفارسية. إلا أن الدستور والنظام الأساسي للمنظمة، والمنشور على موقعها في الإنترنت، لا يوجد فيه أيّ اعتراف بحقوق الشعوب غير الفارسية ما عدا الحكم الذاتي للشعب الكردي، الذي بات من الماضي، في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة والتي تصبّ جميعها في مصلحة الشعب الكردي. فيا ترى، إذا كانت منظمة مجاهدي خلق صادقة فعلا في طرحها هذا فلماذا لم يتضمن دستورها ونظامها الأساسي هذا الحق الطبيعي والقانوني الذي تنص عليه كافة الأعراف والقوانين الدولية؟ وهل تساءل الأشقاء العرب الذين يتسابقون لمشاركة منظمة مجاهدي خلق احتفالاتها لماذا الحكم الذاتي حلال على الأكراد وحرام على أشقائهم العرب في الأحواز؟ كاتب مختص في الشأن الإيرانيجمال عبيدي
مشاركة :