المنامة ـ "إن التراث الشعبي لأي أمة هو ملك وطني عام، لكل فرد من أفرادها الحق في التعامل معه فنياً وتربوياً واجتماعياً". بهذا التأكيد على ضرورة صون التراث الشعبي من الاستغلال غير المشروع، يفتتحُ علي عبدالله خليفة، رئيس التحرير، العدد (38) من "مجلة الثقافة الشعبية"، الصادرة مؤخراً بالتعاون مع "المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)"، إذ يؤكد في هذه الافتتاحية أن أساليب التعامل مع هذا التراث قننت وشرعت، "فكان أول ما أتاحته هذه القوانين الحافظة لقيمة هذه المادة هو الاستلهام، بمفهومه الفني والأخلاقي". لهذا فهو، ومن هذا المنطلق، ينبهُ "إلى المحاولات التي تجري هنا وهناك لتحويل هذه المادة الثقافية الثمينة إلى سلعة تجاربة وأداة من أدوات الكسب المادي غير المشروع"، وذلك وفق ما أكد عليه مؤتمر اليونسكو، الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض، والخاص بالمؤسسات غير الحكومية المنضوية تحت هذه المنظمة، والذي سلط الضوء على العبث والاستغلال غير المشروع للتراث المادي وغير المادي. من جانبها صدرت الأكاديمية نهلة إمام العدد، بسؤال "جمع الثقافة الشعبية.. ماذا بعد ذلك؟"، مؤكدةً أنهُ "لا بد وأن يظهر تيار واقعي قادر على أن يرى المجتمعات كإنجاز بشري صاغته الظروف التاريخية والجغرافية والسياسية؛ به كل ما بالبشر من خير وشر، ففيه الجوانب الديناميكية التي تدفع بالمجتمعات إلى مصاف الدول التي وصلت بشعوبها إلى مستوى ملموس من التقدم، كما به من الجوانب الإستاتيكية التي تجذب الأفراد إلى الإلتصاق بواقع مختلف". وتتساءل إمام "ماذا بعد بلورة الأدوات وتراكم المادة الميدانية عن تراث عربي تليد وضخم وحشد الجهود المادي والبشري لجمع موضوعات هذا التراث؟"، داعيةً إلى البحث والتأمل في كيفية الاستفادة من هذا الكم المجموع، وتوظيفه، ليكون ضمن أجندة الدوائر التنفيذية، وواضعي مخططات التنمية. إلى ذلك تضمن العدد العديد من الدراسات والمقالات، التي تتناول الثقافة الشعبية، ومنها دراسة كتبها الباحث حسين محمد حسين، تحت عنوان "من الحرف التي تعتمد على ليف النخل في مملكة البحرين"، راصداً فيها "ما تبقى من الصناعات الليفية في المملكة، وهي "صناعة الحبال، وصناعة الكر، وهو أداة تستخدم لتسلق النخلة"، كما رصد صناعة البدود، وهي جزء من سرج الحمار، مشيراً إلى أن هذه المهن تمارس في الوقت الراهن، من قبل أعداد بسيطة من الأفراد. كما تضمن العدد بحوثا مختلفة حول؛ "المواصفات القياسية في التراث الثقافي غير المادي"، كتبهُ طارق المالكي، و"السلطة العرفية في المجتمعات التقليدية"، لفاطمة الزهراء شوية، إلى جانب "الثقافة المادية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية" للباحث يوسف حسن مدني. فيما اشتمل العدد على بحوث جابت الوطن العربي، وموروثهُ الثقافي، منها "السيرة الهلالية والتلقي الشعبي؛ دراسة في أشكال الاستجابة الجماهيرية"، للباحث خالد أبو الليل، ودراسة أخرى عن "الحميد بن منصور.. الأصالة والحكمة اليمانية"، لمحمد علي ثامر. وكتب محمد الخالدي عن نوع "من أنواع الزهيرير النعماني أو الموال الأحمر"، أما الباحث رضا رضوان فكتب عن "التراث الثقافي والمواريق الشعبية الموريتانية؛ التحديات اللغوية والعرقية ومعضلة قيم البادية في مواجهة الحداثة"، وتبعهُ الهادي المسيليني بدراسة حول "ألعاب الأطفال التراثية في تونس؛ دراسة اثنوغرافية وانثربيولوجية". وفي سياق الموسيقى، كتب علي دمق حول "الموروث الشعبي وعلاقته بالطرق الصوفية في تونس من خلال نموذج حضرة سيدي بوعكازين"، إلا أن الباحث حسني عبدالحافظ خصص بحثهُ حول آلة الربابة، وذلك تحت عنوان "عتقة وصامدة؛ الربابة.. آلة النغم والشجن في الفن الشعبي". وفي الثقافة المادية، وثقت بشرى صدوق عبر دراسة ميدانية، "تأصيل التراث المعماري المبني بالتراب بالجنوب الشرقي للمغرب"، فيما كتب أسعد النوبي عن "الأصالة والتلقائية في المهن والحرف التقليدية؛ صعيد مصر أنموذجاً". هذا وقد صدر مع العدد، كتاب "الجمل والصحراء"، للباحث والأكاديمي التونسي عبدالكريم براهمي. يذكر أن مجلة "الثقافة الشعبية" مجلة فصلية علمية محكمة من قبل خبراء علم الفولكلور والعلوم الإنسانية، وتصدر بالتعاون مع "المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)"، إذ تصدر بنسختين، مطبوعة وإلكترونية، إلى جانب كونها تترجم إلى ست لغات عالمية على موقعها الإلكتروني.
مشاركة :