يبدو الشاهد أكثر وثوقية وهو يعتبر أن خطة حكومته لمقاومة الفساد تسير في الاتجاه الصحيح. وبعث برسائل مشفرة للسياسيين بأن الحرب لن تستثني أحدا.العرب عبدالستار الخديمي [نُشر في 2017/07/24، العدد: 10701، ص(4)] في تصريح أدلى به رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد تحت قبة مجلس نواب الشعب وردا على مساءلة نواب المجلس في الـ20 من يوليو 2017، بدا واثقا من أن محاربة الفساد ليست مجرد حملة عابرة انتقائية ولكنها بند قار في مشروع الحكومة وفلسفتها للخروج من الأزمة متعددة الأطراف والزوايا في مجالات السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية العامة. مرجعية الخطاب كانت سياسية بامتياز، حيث حضر مفهوم الدولة العادلة والإطار القانوني والإصلاح الإداري واستقلالية القضاء وغيرها من المفاهيم ذات الدلالة السياسية، في إطار مشروع الحكومة العام. فنظرة الشاهد لما تحقق في مجال محاربة الفساد لم تخرج عن منهجية الدفاع المشروع عن اختيارات الحكومة وقراراتها في ظل حملة التشكيك التي طالتها. حضور شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لم يمثل مجرد ديكور يؤثث الحوار داخل المجلس النيابي ولكن الأمر يمكن أن يقرأ بطريقتين؛ الأولى أن الهيئة تساند الحكومة في مسعاها لمحاربة الفساد وتدعم خطواتها، بل تستحثها لمزيد بذل الجهد وتسريع إنجاز النصوص القانونية لشرعنة التحركات الحكومية في هذا المجال. أما الثانية فهي الوقوف الحقيقي على مستوى الحوار ومدى جديته ومدى القدرة على تجاوز المعيقات والخلافات بين شقي السلطة والمعارضة. رغم الهدوء والانتظام في الخطاب والردود، ورغم الدعم المعنوي من الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد بالمشاركة والحضور، فإن الشاهد لاقى إحراجا متأتيا من بعض النواب الذين، إما يستوضحون ما يعتقدون بأنه خاف أو مسكوت عنه في خطة الحكومة لمقاومة الفساد، وإما محاولة إحراج الشاهد سياسيا ولغايات حزبية ضيقة. اتهمت خطوات الحكومة لمقاومة الفساد بالارتجالية لأنها لم تستند إلى خطة واضحة المعالم ومدروسة مسبقا لتحقق الأهداف المرسومة بغطاء قانوني من ناحية وبغطاء سياسي ومدني يدعمها من ناحية ثانية. أجاب الشاهد بـ”أن الحكومة التزمت بمكافحة الفساد كما جاء في وثيقة قرطاج وقامت بوضع خطة وطنية لمقاومة الفساد وأسرعت في سن القوانين والإجراءات وتوفير الإطار القانوني.. وفقا للمعايير الدولية”. عمليا نفى الشاهد عن حكومته سمة الارتجالية بل عمد إلى ربط ذلك بالإطار التوافقي الذي أفرزته وثيقة قرطاج، وفي هذا الرد بعض الدهاء السياسي وكأنه أراد القول للمعارضة إن الخطة ليست خطته في شخصه وليست خطة سنده الحزبي المتمثل في نداء تونس. قال بلغة ترميزية ما معناه “تونس بأطيافها المختلفة تحارب الفساد ودليل ذلك وثيقة قرطاج الجامعة”. أما إجابته عن الانتقائية لأسباب حزبية ضيقة فقال “اتهامنا بالانتقائية في حربنا ضد الفساد باطل”. وقال أيضا “من وقتاش المهربين ولاو خصوم سياسيين؟”. يعتقد الكثير من نواب المعارضة أن هناك من الفاسدين من لم يقع استدعاؤهم أو تتبعهم لولاءاتهم الحزبية ولثقلهم المالي، وهو اعتقاد سائد حاول الشاهد دحضه بكل الوسائل مستعملا “لهجة عامية” انبنت على الاستفهام الإنكاري، وهي وسيلة خطابية قد تكون مؤثرة. وربط في نسق مدروس بين المتهمين والتهريب نافيا بذلك “تصفية الحسابات لغاية سياسية”، لأن المنطق يفترض ألا يكون السياسيون مرتزقة ومهربين. العنوان الثالث الأبرز في مداخلته هو “عدم شيطنة أصحاب رؤوس الأموال”، وأصبغ على بعضهم صفة الوطنية، معلنا ضمنيا استدعاءهم للانخراط في المجهود الوطني للنهوض بالاقتصاد، من زاوية استثمارهم في عملية التنمية في جميع المجالات. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح وبقطع النظر عن السياق البرلماني الذي ورد فيه خطاب الشاهد: هل أفصح الشاهد عن مآلات الحرب على الفساد لتكون فعلا عنوانا لخارطة طريق مستقبلية عامة تلتزم بها أي حكومة مهما كان توجهها أو لونها السياسي؟ يبدو الشاهد أكثر وثوقية وهو يعتبر أن خطة حكومته لمقاومة الفساد تسير في الاتجاه الصحيح. وبعث برسائل مشفرة للسياسيين بأن الحرب لن تستثني أحدا وليس هناك أي غطاء سياسي لأي أحد تحوم حوله شبهة الفساد، وبذلك فقد حاول أن يفند الرأي القائل إن منتسبي نداء تونس وأحزاب الائتلاف الحاكم ليسوا تحت طائلة القانون وأنهم يتمتعون بحصانة ليست لغيرهم. من الملاحظات الإيجابية التي لمسناها من خلال النقاش أن قطبي السلطة والمعارضة كلاهما مقتنع بضرورة ألا تكون مقاومة الفساد مجرد حملة ظرفية وعنوانا سياسيا للتموقع، بل يجب أن تصبح فلسفة للحوكمة الرشيدة، ونقطة مضيئة على درب تأسيس المسار الديمقراطي الناشئ في تونس. كاتب تونسيعبدالستار الخديمي
مشاركة :