ترشيد التصرف في الموارد المالية للأسرة يقيها من التصدع بقلم: عبدالستار الخديمي

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

القناعة بالاختلاف في وجهات النظر هي السبيل الوحيد للتعايش السلمي داخل الأسرة، وإذا كان التعاون المادي بين الزوجين سمة إيجابية على درب الاستقرار المالي العائلي.العرب عبدالستار الخديمي [نُشر في 2017/08/20، العدد: 10728، ص(21)] بما أنني العائل الوحيد لأسرتي ومصدر كل مواردها المالية، اعتقدتُ مثل السواد الأعظم من الشرائح الاجتماعية وفي ظل التحولات الحضارية المتسارعة أن “مبدأ الاشتراك في الملكية” المشروط في عقد القران بين الزوجين وتقاسم المهام في البيت وخارجه وخروج المرأة للعمل والمساهمة مناصفة في توفير المتطلبات المالية للأسرة أمور ضرورية لجعل العائلة تنعم بالاستقرار النفسي والمادي. ولكن هذا الاعتقاد لم يكن سوى تخمين نتائجه زائفة، لأن الزوجين -العاملين أساسا- يعيشان صراعات حقيقية وخلافات عميقة تختلف حدّتها باختلاف طريقتهما في التعامل معها، نتيجة اختلاف نظرتهما لـ”حوكمة” وترشيد التصرف المالي في العائلة. للأسرة الحديثة موارد مالية قارة يتقاسم أعباءها الزوجان، وفق طريقة تفكيرهما وسبل تدبيرهما ومدى اتفاقهما وتكاملهما، وهو ما يحدّد نسب نجاحهما أو فشلهما في إدارة شؤون أسرتهما. كنت منذ صغري أسمع مقولة يرددها الجميع وهي أن المرأة، على خلاف الرجل، “أكثر حنكة في التصرف في موارد عائلتها المالية لأنها حكيمة وتحسن التدبير”، حتى أضحت من البديهيات التي استقرتّ في المخيال الشعبي وأثبتتها -بنسب مختلفة طبعا- التجارب الواقعية. ومثّلت هذه المقولة أحيانا مادة أدبية قصصية وأستحضر من مطالعاتي، على سبيل الذكر لا الحصر، قصة “مريم الصناع″ (كانت تغترف حفنة كل يوم من دقيق عجينها وتقوم بتجميعه ثم بيعه حتى استطاعت مع طول الأيام والسنين أن تجمع من المال ما جهزت به ابنتها للزواج جهازا أضحى حديث الناس وموضوع تدارسهم وجدالهم)، من كتاب “البخلاء” لأبي عثمان الجاحظ. وكانت أمي -رحمها الله- تقول إن “المرأة كالخابية (إناء من الفخار يستعمل للخزن) أو الجابية (حوض مائي يدخله الماء من جهة ويخرج من الأخرى دون أن يستقر فيه)”، وهو توصيف للمرأة الحكيمة والمدبرة أو للمرأة المسرفة والمبذرة. المرأة الحديثة العاملة فقدت صفة الاستقرار في مملكتها وأضحت -شأنها شأن الرجل- تشقى من أجل توفير المال لنفسها ولعائلتها. وازدادت متطلباتها الشخصية وأصبحت، في نظر زوجها، مسرفة بما أنها تقتطع جزءا هاما من مرتبها للعناية بزينتها وتجديد ملابسها باستمرار وفق معايير الموضة الحديثة، في حين أنها ترى في نفسها الكفاءة لتدبير شؤون أسرتها المالية، بطريقة أفضل من زوجها. أما الرجل وبحكم تواجده لأكثر وقت ممكن خارج أسوار البيت والعائلة، فإنه أقل دراية بما يتطلبه الوضع في أسرته، فتتهمه المرأة بالإسراف والتبذير في المطاعم والمقاهي وغيرها من مؤسسات الشارع. من هنا يتبادل الزوجان التهم بالإسراف والتبذير، ويعمدان بصفة يومية أو دورية إلى محاسبة بعضهما عن كل “مبلغ مالي صرف في غير محله”. ويحاول كلّ منهما أن يتتبّع خطوات الآخر وتفاصيل الحسابات البنكية وحيثيات الصرف داخل الأسرة أو خارجها. ومن الأمور التي تساهم في تصاعد حدّة الخلاف بين الزوجين أن يعمد أحدهما إلى إعانة أحد أفراد عائلته ماديا دون علم مسبق من الطرف الآخر، فيعتبر ذلك سبقا وربما انتهاكا لخصوصية العيش المشترك وميزانية الأسرة. أعتقد أن الخلاف حول المسائل المالية في الوقت الراهن أمر طبيعي فرضته التحولات الاجتماعية والحضارية العميقة والتي ضاعفت المتطلبات المادية للعيش الأسري. فبقدر ما ساهم عمل المرأة في التخفيف من الأعباء المالية للعائلة، بقدر ما سلب “القوامة” من الرجل، ممّا خلق نوعا من النديّة والاستقلالية قادتا إلى اختلاف في وجهات النظر قد يتحول سريعا إلى خلاف ثم إلى صراع ينتهي بالطلاق واستحالة عيش الزوجين مع بعضهما. إذا كانت طبيعة الحياة تغيّرت وفرضت خروج المرأة من بيتها لتقوم بأدوار اجتماعية واقتصادية جنبا إلى جنب مع الرجل، فلماذا لا يتقبل الزوجان الوضع دون مشاحنات، ويضعان برنامجا واضح المعالم لتصرّفهما المالي؟ على المرأة أن تقوم بأدوارها الطبيعية في الأسرة وتوظف ما حباها الله به من حكمة وحسن تدبير لصالح أفراد عائلتها، وألا تنجرّ وراء المظاهر الخادعة التي تستنزف مالها وجهدها معا، ويمكنها أن تهتم باحتياجاتها الخاصة من زينة ولباس وعناية بجسدها ومظهرها ولكن دون إسراف، وبذلك تحافظ في نفس الوقت على علاقتها بزوجها وبمحيطها الاجتماعي، في إطار من التكامل والفاعلية. أما الرجل فعليه أيضا أن يقتنع بأن عصر القوامة ولّى وانقضى وأن المرأة شريكته الفعلية في كل ما يخص الحياة الأسرية المشتركة، وأن يتفهم الاحتياجات الخاصة لزوجته لتحافظ على الحدّ الأدنى من مظهرها وأنوثتها. القناعة بالاختلاف في وجهات النظر هي السبيل الوحيد للتعايش السلمي داخل الأسرة، وإذا كان التعاون المادي بين الزوجين سمة إيجابية على درب الاستقرار المالي العائلي، فالأجدر أن يدعم الزوجان هذه الإيجابية وألا يجعلاها سببا للتوتر الذي قد ينتهي بما لا تحمد عقباه. كاتب تونسيعبدالستار الخديمي

مشاركة :