محاكمة صحافيي جمهورييت اختبار للديمقراطية التركيةتحاكم السلطات التركية 17 صحافيا في صحيفة جمهورييت التركية المعارضة التي تحولت إلى شوكة في خاصرة الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الأعوام الماضية، بينما تتجه الأنظار إلى المحاكمة باعتبارها اختبارا للحريات والديمقراطية في البلاد.العرب [نُشر في 2017/07/25، العدد: 10702، ص(18)]الصحافة الحرة خلف القضبان إسطنبول (تركيا) – تلخص محاكمة الصحافيين في إسطنبول الوضع الراهن للصحافة والحريات في تركيا والتي شهدت منعطفا حادا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، وما لحقها من تداعيات، حيث أصبحت التهمة الأكثر شيوعا للصحافيين، لا سيما المعارضين منهم هي “دعم منظمات إرهابية”. وبدأت الاثنين محاكمة 17 صحافيا ومسؤولا ومتعاونا يعملون أو عملوا سابقا مع صحيفة “جمهورييت”، المعروفة بانتقادها الشديد للنظام، بعدما قضوا عدة أشهر خلف القضبان في قضية أثارت المخاوف بشأن وضع حرية الإعلام في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. وبدأت المحاكمة بتلاوة أسماء المتهمين وسط تصفيق حشد حضر الجلسة لدعمهم، وبحسب لائحة الاتهام فإن هؤلاء متهمون بمساعدة إحدى أو عدة “منظمات إرهابية” في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني ومجموعة يسارية متشددة وحركة الداعية فتح الله كولن التي يتهمها النظام بتدبير محاولة الانقلاب، الأمر الذي ينفيه كولن قطعيا. ووفقا لعريضة الاتهام المؤلفة من 324 صفحة، سيطرت شبكة رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة، بشكل فعال على صحيفة جمهورييت وتم استغلالها “للتغطية على تصرفات الجماعات الإرهابية”، لكن الصحيفة وصفت التهم بأنها “اتهامات وهمية وتشهير”.بيار هاسكي: المحاكمة تختصر كل ما يجري في تركيا التي باتت أكبر سجن للصحافيين في العالم وتشير لائحة الاتهامات إلى أن جمهورييت أطلقت عملية تهدف إلى بدء “حرب غير متكافئة” ضد أردوغان. كما تشكل التدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي الجزء الأكبر من الأدلة في عريضة الاتهام، إضافة إلى مزاعم بأن المتهمين كانوا على اتصال بمستخدمي تطبيق بايلوك للرسائل المشفرة الذي تقول الحكومة إن أتباع كولن يستخدمونه. وتجمع العديد من الأشخاص بينهم صحافيون ونواب من المعارضة أمام المحكمة صباح الاثنين وأطلقوا بالونات ملونة ورددوا هتاف “الصحافة حرة ولا يمكن تكميمها”. وبين المتهمين هناك أقلام شهيرة على غرار كاتب العمود قدري غورسيل والصحافي أحمد شيك ورسام الكاريكاتور موسى كارت، إضافة إلى صاحب الصحيفة أكين أتالاي ورئيس تحريرها مراد سابونجو، وهناك 11 من المتهمين قيد الاعتقال الاحتياطي معظمهم منذ نحو تسعة أشهر. وقال أتالاي أمام المحكمة إن “جمهورييت لا تخاف ولن تستسلم”، مضيفا أن “الاستقلالية والحرية هما روح هذه الصحيفة”. وتزامن بدء المحاكمة مع “يوم الصحافة”، عندما رفعت الرقابة الرسمية العام 1908 بعدما كانت سارية إبان السلطنة العثمانية. ورفض غورسيل خلال الجلسة، اتهامه بأنه على صلة بحركة كولن كونه تلقى رسائل قصيرة أو اتصالات من أنصار للداعية. وقال “إذا كان مسؤولو الإدعاء غير قادرين على رؤية الرسائل القصيرة التي بقيت من دون جواب والاتصالات التي جرت مرة واحدة فإنهم يستخدمون سلطاتهم بنوايا سيئة”. وقبل بدء الجلسة، اعتبر متهم يمثل حرا هو كاتب الافتتاحيات إيدين انجين أن “هذه المحاكمة اختبار لتركيا”، مضيفا أن “رجب طيب أردوغان يقول إن القضاء محايد في تركيا، سنرى”. من جهته قال رئيس منظمة “مراسلون بلا حدود” بيار هاسكي إن المحاكمة في إسطنبول “تختصر كل ما يجري في تركيا التي باتت أكبر سجن للصحافيين في العالم”. وتابع هاسكي في حديث لإذاعة فرانس انتر، أن تركيا “ديمقراتورية”، مزيج من الديمقراطية والدكتاتورية.. حيث يتم الاحتفاظ بمظاهر التعددية لكن مع تشديد متزايد للسيطرة على المؤسسات وتلاشي السلطات المضادة” وبينها الإعلام. وأبدى هاسكي تعجبه “لتكتم المواقف الفرنسية إزاء هذه المسألة”.ينظر إلى المحاكمة على أنها اختبار لحرية الصحافة في تركيا التي حلت في المرتبة الـ155 في آخر مؤشر لحرية الصحافة في العالم واعتقل المشتبه بهم منذ أكتوبر العام الماضي بموجب حالة الطوارئ التي فرضت بعد محاولة الانقلاب، بينما تخشى المعارضة من استغلال السلطات لحالة الطوارئ لملاحقة كل من يتحدى أردوغان. وفي حال تمت إدانتهم، فقد يواجه المتهمون السجن لمدد قد تصل إلى 43 عاما. وينظر إلى المحاكمة على أنها اختبار لحرية الصحافة في تركيا التي حلت في المرتبة الـ155 في آخر مؤشر لمنظمة “مراسلون بلا حدود” المتعلق بحرية الصحافة في العالم، أي بعد بيلاروسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وبحسب مجموعة “بي24” لحرية الصحافة، هناك 166 صحافيا يقبعون في السجون التركية، اعتقل معظمهم في ظل حالة الطوارئ. لكن أردوغان أصر في مقابلة هذا الشهر على أن هناك “صحافيين حقيقيين اثنين فقط” خلف القضبان في تركيا. وتحولت صحيفة جمهورييت التي تأسست عام 1924 وتعد أقدم صحيفة قومية شعبية في البلاد، إلى شوكة في خاصرة أردوغان خلال الأعوام القليلة الماضية. وتعد أحد الأصوات المعارضة الحقيقية القليلة في الصحافة التي تهيمن عليها وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة واليوميات الشعبية الأكبر التي باتت أكثر حرصا على عدم تحدي السلطات. كما جرت محاكمة رئيس تحرير الصحيفة السابق جان دوندار الذي فر إلى ألمانيا غيابيا، حيث حكم عليه بالسجن خمسة أعوام وعشرة أشهر على خلفية تقرير في الصفحة الأولى يتهم الحكومة التركية بإرسال أسلحة إلى سوريا. وقضى المحبوسون حتى الاثنين 267 يوما في السجن، باستثناء شيك الموقوف منذ 206 أيام. ومنذ اعتقالهم، استمرت جمهورييت بتخصيص مساحة لأعمدة صحافييها المسجونين ولكن بفراغ أبيض بدلا من الكتابة. وأفادت مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، بأن اعتقال موظفي الصحيفة كان تعسفيا، داعية إلى الإفراج الفوري عنهم ومنحهم حق الحصول على تعويض. ورأت أن سجنهم “ناتج عن ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم” معربة عن قلقها بشأن “ضبابية” الاتهامات الموجهة إليهم.
مشاركة :