التصوير التعبيري الذي ينشده بسام في رسوماته على مدى مسيرته الطويلة (مواليد بغداد عام 1943) قد وثقت حقبة زمكانية ملموسة من واقع مجتمع شرقي نامٍ، فيه الجميل.. كالعلاقات الاجتماعية والحياة اليومية التقليدية في جميع نواحيها اليومية، والطراز المعماري البغدادي الفلكلوري، مثلما نبه مقابل ذلك إلى المظاهر المدانة في المجتمع العراقي، وعوامل التخلف والجهل والفساد التي تعشعش داخل النفوس الضعيفة التي تدير أغلب المؤسسات الرسمية في البلاد، فقدمها على طبق من السخرية اللاذعة، التي خلخلتها وزعزعت كراسيها الركيكة. فكان بسام في طليعة المتميزين، بل أول من شهر سلاح الريشة الجارحة في وجه البيرقراطية ورموزها، وكشف عوراتها الأخلاقية التي كانت سائدة حينذاك.. وما زالت، وهذه الرموز وذيولها تنمو وتتكاثر بوجوه جديدة وقبيحة وأيديولوجيات سخيفة ضد الإنسانية. ويعتمد تصوير بسام الكاريكاتيري على فلسفة خاصة في طرح أفكاره، كأي فنان آخر له خصوصيته في الأسلوب والتناول والطرح، حيث يرسم شخصياته بحركات متنوعة ولطيفة مبالغة في نسبها الفنية، جذابة للعيان، غير جامدة، ذات أزياء شعبية بطيات افتعالية لافتة للنظر، مصاحبة أحيانا لتعليقات ببضع كلمات خفيفة وساخرة قد تكون مكملة لفكرة الموضوع، أو لسحب المتلقي إلى منطقة الموضوع الرئيسي، وبعض التفاصيل الفنية المتممة التي تسرّ الناظرين إليها، لكنها في الأخير تجعل المتلقي أو القارئ اللبيب يحصل على المغزى المطلوب الذي يسعى إليه الرسام بسام، فيرسخ فكرته في عقل المتلقي قبل قلبه دائما، وأحيانا يرسم أفكارا مجردة من أي تعليق أو كلام، معتمدا على الرمزية الواقعية التي لا تعد ولا تحصى، والتي يعرفها ويفهما الجميع في العالم. وتجربة الفنان العراقي بسام فرج كبيرة وطويلة (احترف الرسم الكاريكاتيري في عام 1964)، وهي اليوم تربو على أكثر من نصف قرن، بلا توقف أو تلكؤ، وهو الذي لم يداهن فيها على حساب الحق، فرسوماته وثقت تأريخ بغداد السياسي والاجتماعي، بغداد التي لم يبق منها الآن إلاّ رمزيات وذكريات بسام في رسوماته اليومية، والتي بدورها توقظ في داخل كل مواطن عراقي الحنين إلى ماض جميل.
مشاركة :