العراق يحتفي بذكرى نشر أول كاريكاتير صحافيتستذكر الصحافة العراقية اليوم 29 سبتمبر، ولادة أول رسم (كاريكاتيري) يعود إلى عام 1931، ورغم استخدام فن الكاريكاتير في الصحافة العالمية، كسلاح نقدي وتوجيهي مهم، يهاجم، يعظ، يستفز، يحرض، يعري، يستهزئ.. إلخ، ظل متمتعا بدور جماهيري وشعبي كبير في استلهام ومعالجة وطرح الموضوعات الساخنة على الساحة بشكل ملحوظ.العرب علي إبراهـيم الدليمي [نُشر في 2017/09/29، العدد: 10766، ص(14)]أول جماعة للكاريكاتير العراقي بغداد – نشأ فن الكاريكاتير العربي، مع بداية تطور الصحافة المصرية في ثلاثينات القرن المنصرم، بما يمتاز به الفنانون المصريون من روح النكتة ونفاذ الفكرة ورشاقة الخطوط، فضلا عن إسهامهم المتفاعل في عملية النقد الاجتماعي والسياسي الجاد بكل حرية وسداد. إلاّ أن هذا الفن الرفيع لم يدخل صحافة العراق، إلاّ من خلال البعض من رسوم الصحف والمجلات الواردة إلى العراق في العقد الثالث من القرن الماضي، ولعدم وجود متخصصين برسم الكاريكاتير، فقد كان يتم تقليد وتحوير هذه الرسومات (الأجنبية) بطريقة ما، وهي بالتأكيد لا تحمل في ثناياها روحية الفنان، أو أنها تنتسب بهوية خاصة. يذكر أن أول كاريكاتير عراقي كان بمثابة اللبنة الأولى والأساسية لصرح الكاريكاتير في البلد العراق، هو عبارة عن “موتيف” صغير نشر في 29 سبتمبر 1931، على صدر الصفحة الأولى لجريدة حبزبوز البغدادية الفكاهية، في هوية محلية جديدة، بريشة الرسام عبدالجبار محمود. وانتقد الفنان العراقي في تلك الصورة التهكمية، حالة الانفلات الأمني الحاصل يومها والتي كادت تؤدي بحياة نوري ثابت نفسه، صاحب جريدة حبزبوز، حيث أظهرته بملابس الفرسان الأوربيين، وهو يمتطي المدفع الفلكلوري (طوب أبوخزامة) المعروف لدى البغداديين، حاملا بيده قلما طويلا كسلاح الرمح القديم. وقد التفت بوجهه نحونا بابتسامة ساخرة وهو يعلق عن محاولة اغتياله تلك من خلال حوار يضم سؤالا وجوابا بلهجة عراقية عامية كتبت تحت الصورة كما يلي “شنو هاي حبزبوز، أشوفك راكب على طوب أبوخزامة، تريد تصير مثل سلطان مراد؟!”.. فيرد حبزبوز “لا مولانا لكن ما دام إبنص أوتيل أنضرب ست رصاصات، فمنا وغادي قررت بعد ما أركب بعربانة أو سيارة، بل أخذت هذا الطوب من وزارة الدفاع حتى أتجول عليه.. هم المسألة اقتصادية لأن معلوم حضرتكم هنا يلهم التراب يصير بارود ويلهم الحجار يصير دان، أي قنابل، أريد رجال إلي يتجدم، أي يتقدم”.الرسام عبدالجبار محمود صور حالة الانفلات الأمني وكان نوري ثابت قد تعرض قبل أن يصدر جريدته بأيام قليلة، وبينما كان يجلس في “أوتيل ما شاء الله” الواقع في محلة الحيدر خانة في شارع الرشيد إلى محاولة اغتيال من قبل شخص أطلق عليه الرصاص فأخطأه.. ثم فر هاربا. وهكذا دبت “الموتيفات” الصحافية البسيطة والمقتبسة، لتأخذ حيزها المتواضع هنا وهناك في الصحف العراقية الأخرى، حينذاك على أنها صور كاريكاتيرية. ومع بداية تعدد الصحف والمجلات الفكاهية الهزلية، اتسمت هذه المدة بالتطور السريع لفن الكاريكاتير، وكانت أولها وأبرزها جريدة حبزبوز الساخرة، لمؤسسها نوري ثابت، التي كانت لها الريادة الصحافية الصحيحة في تطور رسم هوية وملامح فن الكاريكاتير (الناقد) على الصفحات الأولى من أعدادها، وفي المجالات السياسية والاجتماعية العامة، وكانت البعض من رسومه الهزلية يوقّع عليها بالحرفين الأولين من اسمه (ن. ث)، وعلى أثر تفاعل الجريدة والمجتمع، تعرضت للإغلاق مرتين بسبب نشرها لرسوم ساخرة تنتقد الأوضاع المتردية السائدة وقتذاك، غير أنها توقفت نهائيا عن الصدور عام 1938 أثر وفاة صاحبها. وكان أول من رسم لهذه الجريدة الفنانون: عبدالجبار محمود وناصر عوني وسعاد سليم وحميد المحل وسامي سامي، كذلك الفنان الأكاديمي فائق حسن، الذي رسم الكاريكاتير في حقبة مبكرة من حياته التي قضاها في الرسم إثر رجوعه من فرنسا. إلاّ أن أول من رسم كاريكاتيرا بطابع عراقي وهوية محلية خاصة، هو الفنان الشعبي الشهير غازي عبدالله الذي نالت رسوماته الساخرة بذكاء كبير استحسان وإعجاب الكثير من أبناء الشعب العراقي كافة من شماله حتى جنوبه، فقد كان يرسم بروحية صادقة وانسجام متكامل مع ما يرسمه بتقاليد وبيئة وأمثال وأغاني الفلكلور الشعبي العراقي، وقد ظل يرسم منذ نهاية الأربعينات من القرن الماضي حتى وفاته عام 1999، حيث أثرت تجربة رسوماته المثيرة على الرسامين الآخرين من بعده. إلاّ أن طابع سخريته لها نكهة خاصة ومتفردة لم يبتكرها غيره بعده، فقد كان بحق مدرسة متكاملة للكاريكاتير العراقي، والعربي عموما. ما بين مدة منتصف الستينات حتى السبعينات من القرن الماضي، برزت نخبة جديدة من رسامي الكاريكاتير الشباب المتخصصين، وهم يحملون أفكارا واعية ورغبة جامحة بتجسيد واستلهام الواقع الاجتماعي والسياسي، كل له رؤيته الخاصة في عملية الترجمة الموضوعية، وكل يبحث ويؤسس أو لديه أسلوبه الفني الذي يميزه عن الآخرين، حيث الاختزال في الخطوط، والمتعة في المشاهدة، ودغدغة المشاعر والأحاسيس، وقد أثبتت رسوماتهم حضورها الجماهيري الواسع والفاعل. ونستطيع أن نطلق عليهم، إن جاز التعبير، بالرعيل الثاني، وتواصل الزمن ببروز أسماء كاريكاتيرية كثيرة متفاعلة مع الأحداث السياسية والاجتماعية المحلية والعالمية بشكل متميز.
مشاركة :