باستقراء وتتبع مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وجمع أقواله وضمها مع بعضها البعض، تتضح لنا الضوابط في التكفير عند الإمام، حيث إنه يسير على منهج السلف الصالح، وهو بعيد كل البعد عن الغلو وعن التسرع في التكفير وغيره، وهو بريء مما رماه به الخصوم.لقد انتشر عند كثير من الناس، حتى عند أهل الكفر أن الدعوة السلفية، أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، هي الدعوة التي يسير عليها الإرهابيون والتكفيريون وغيرُهم، وهذا ظن كاذب.يقول الشيخ صالح الفوزان، حفظه الله تعالى، لَمَّا تكلم في إطلاق الكفر على المعيّن، قال: «أما الحكم بالكفر على الأعمال - فيعني دون الأشخاص - كدعاء غير الله، والذبح لغير الله والاستغاثة بغير الله، والاستهزاء بالدين، ومسبة الدين، هذا كفر بالإجماع بلا شك، لكن الشخص الذي يصدر منه هذا يُتأمل فيه ؛ فإن كان جاهلاً أو كان متأولاً أو مُقَلِّدًا، فيُدْرَأُ عنه الكفر حتى يُبَيَّنُ له الأمر ؛ لأنه قد يكون عنده شبهة، أو عنده جهل، فلا يُتسرع في إطلاق الكفر عليه حتى تقام عليه الحُجَّة، فإذا أقيمت عليه الحجة واستمر على ما هو عليه، يحكم عليه بالكفر؛ لأنه ليس له عذر، والكلام في هذا واسع».أصول الإمام محمد بن عبدالوهاب في التكفير:أولاً: إن التكفير من الأحكام الشرعية، فلا يحل لأحد أن يطلقه على أحد لمجرد الظن والهوى. قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: «لا نكفر مَن لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذُكِر عنه ونحن لم نتحقق».فالكافر مَن جعله اللهُ ورسولُه كافراً، والفاسق مَن جعله اللهُ ورسولُه فاسقاً.ثانياً: ان تكفير المُعَيَّن لا يَحِلُّ إلا بانطباق الشروط، وانتفاء الموانع، ولهذا يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب، ما نصه: «إذا قال قولاً يكون القول به كُفْرا فليقل: مَن قال بهذا القول فهو كافر. ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يُحْكَم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها».قال الإمام ابن تيمية، رحمه الله: «هذا ومع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مِنِّي أني من أعظم الناس نَهْياً عن أن يُنْسَب مُعَيَّن إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية».ثالثاً: التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، فمَن أقَرَّ بالشهادتين، وأظهر الإسلام، فهو مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وتجري عليه أحكام الإسلام في الدنيا، ويستوي في هذا المسلم على الحقيقة، والمسلم نفاقا خوفا من القتل، أو طمعا في مكسب، ولم يكلف أحد بشق صدور الناس، هذا في حكم الدنيا، وأما في الآخرة، فإن حكم المنافقين هو حكم الكفار، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً» [النساء: 140].رابعاً: التفريق بين بلوغ الحُجَّة، وفَهْم الحُجَّة، والحق أن مسألة التفريق بين بلوغ الحجة وفَهْم الحجة، خَفِيت على بعض الناس، وقالوا: إن الإمام محمد بن عبدالوهاب يرى أن الإنسان لو لم يفهم الحجة يكفر. والحق أن الإمام يرى أن مَن بلغته حُجَّة الله التي بَعَث بها رُسُلَه، وخلا من شيء يعذر به، فقد قامت عليه الحجة وإن لم يفهمها، ومعنى يفهمها: ينقاد لها. وأما الفهم كفهم أبي بكر وعمر، وهو الفهم المؤدي للامتثال، فلا يُشْتَرط هذا في قيام الحجة، أما فهم الخِطَاب فهذا يشترطه الإمام محمد بن عبد الوهاب، ويرى أن الحجة لا تقوم إلا إذا فهم الإنسان الخِطَاب، أما الفهم المؤدي للانقياد والامتثال فلا.خامساً: عدمُ التكفير إلا بدليل شرعي صَحِيح صَرِيح، وكان الإمام محمد بن عبدالوهاب، لا يخالف إجماع أهل العلم، وكان مما قاله في إحدى رسائله ما نصه: «فإن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه عن إجماع أهل العلم توجه عَلَيَّ القول». يعني بالنقد والرد.
مشاركة :