تحدث مقال بصحيفة نيويورك تايمز عن تغييرات بوزارة الخارجية الأمريكية بعد تسلم ترامب للرئاسة، وهي تغييرات لم تقف عند خطط لتسريح الموظفين، وإنما تجاوزتها لمغادرة بعضهم بقرار شخصي. استهل الكاتب روجر كوهين مقاله، بحادثة جرت خلال آخر احتفال بذكرى تأسيس وزارة الخارجية الأمريكية، والذي يصادف أول يوم جمعة في شهر مايو/أيار من كل عام، فحينها كان العديد من موظفي الوزارة مجتمعين قرب النصب التذكاري لـ248 من زملائهم كانوا قد لاقوا حتفهم أثناء تأديتهم لواجبهم المهني حول العالم في أحداث مختلفة. تنظيم الحدث حينها وقع على عاتق رئيسة جمعية الخدمة الخارجية الأمريكية وسفيرة البلد السابقة في بنما باربرا ستيفنسون. تقدمت ستيفنسون إلى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وفق مسير وخطوات متعارف عليها سابقا، لتقف بعدها إلى جانبه، إلا أن السيدة انتهى بها المطاف خارج قاعة المراسم، لأنه ووفقا لما قالته لصاحب المقال، فإن تيلرسون قد قام بطردها! بعد الحادثة، بدأت ستيفنسون التي خدمت وزارتها نحو 30 عاما في الخارج تتفهم حزن بعض زملائها الذين كانوا يسألونها إن كان ما زال هناك قيمة وجدوى لخدماتهم وعملهم، لأنه، وبحسب الصحيفة، فإن شح الاتصالات بين مقر الخارجية وبقية المبنى كان يثير عميق القلق. ويبرر المقال قلق موظفي الخارجية الأمريكية وفق الآتي، فموجة الاستقالات الجماعية كانت تسير على قدم وساق، حيث كان من بين المستقيلين عدد من كبار الموظفين مثل نانسي مكلدوني مديرة معهد الخدمة الخارجية التي وصفت الجو في الوزارة بالمسموم، وقالت إن الإدارة باتت مزعجة وبيئة العمل غدت مضطربة. دينا شل سميث، السفيرة الأمريكية السابقة في قطر من جهتها أعربت عن صدمتها جراء الازدراء الكامل والتام لخبراتها هي وزملائها. السفير السابق في تونس جيك والاس، والذي توجد في جعبته 35 سنة من الخبرة والتفاني لم يخف سخطه هو الآخر، فقد وصف لكاتب المقال ما يجري بأنه مجرد تفكك بطيء للمؤسسة. ويسهب المقال، حيث يذكر أن 8 آلاف من موظفي الخدمة الخارجية لم يعودوا يعرفون كيف يدافعون عن القيم الأمريكية في ظل رئيس يتحدث بفكاهة عن فكرة التعذيب، ويزدري الدستور، ولم يسبق له أن التقى حكاما مستبدين يزحفون إليه من أجل استجداء عطفه بعد فشلهم. وتذكّر الصحيفة بقول ترامب عن أن مبتغاه هو القوة العسكرية وليس الدبلوماسية والقوة الناعمة، التي قال إنها للطيور فقط، وهو كلام مثير للاشمئزاز وفق تعبير الصحيفة، لأنه جاء إبان اقتراح باقتطاع نحو 30% من ميزانية الخارجية، نظرا لارتفاع نفقات الدفاع، ليليها تسريح نحو 2300 شخص، بمن فيهم 20 من أصل 22 معاونا وزاريا، يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشيوخ بالذات. وتمضي الصحيفة في سردها عن الأسباب الحقيقية الخفية لهذه العاصفة، وتتساءل، هل هذا عقاب جماعي لإدارة هيلاري كلينتون؟ أم هو تكرار فظ لمبدأ تفكيك الدولة الإدارية الذي خاض فيه وبشكل متكرر ستيف بانون، كبير خبراء ترامب الاستراتيجيين؟ مسؤولة أخرى سبق وأن تركت منصبها في الخارجية سألت ترامب عن السبب، فأجابها حسب وصفها بأنه نهاية الإرهاب والتطرف، والاتفاق مع الصين. فوفقا للصحيفة، أولويات ترامب هي الالتفات نحو الصين وضرب الإرهاب الإسلامي والدفع بعجلة البزنس الأمريكي قدما، أما إمكانية إغلاق مكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية وتدهور أوضاع الوكالات الأخرى، فهي لا تدخل ضمن أولويات ترامب، لأنه يريد إعطاء قيمة للمال، أما بقية القيم كالحرية والكرامة الإنسانية وحكم القانون، فهي بالنسبة له على الضفة الأخرى من النهر. وتتذيل المقال كلمات الموظفة المخضرمة مكلدوني، التي قالت إنها تعلمت أن الولاء يتطلب المصارحة بالخلافات في وجهات النظر، وأن واجب موظفي الخارجية يملي عليهم عدم الانصياع للتعليمات الخاطئة قانونيا أو أخلاقيا، وأن أداء اليمين الدستوري لا يعني طاعة رئيس أو ملك، بل طاعة الدستور، الذي يمثل السيادة الحقيقة لشعب حر. المصدر: نيويورك تايمز سامر مياسة
مشاركة :