أما آن لِبُناة الحضارة الإنسانية، وأبناء بغداد الرشيد، أن يترجلوا عن بغلة الطائفية، والمجوسية، والأحلام الصفوية. ويعيدوا للعراق وجهه العربي الأبي الأصيل. أما آن لعقلاء العراق، وعلمائهم، ومُجربيهم، أن يعودوا لرشدهم، ويحقنوا دماءهم، ويَرْبؤوا بأنفسهم عن عار التاريخ، ومزابله المليئة بالمجرمين، والعملاء، وسماسرة اللعب القذرة، والمغفلين. أما آن لشركائنا في سفينة العروبة، والإسلام، والمصير المشترك أن يدعوها تمخر عباب البحر المضطرب، آمنة مطمئنة، لا يعكر صفو ركابها خوف، ولا يصيبهم نصب، ولا ظمأ، ولا مخمصة، ولا ذلة، ولا عبودية. لقد جَرَّب العراقيون السلم والحرب. وذاقوا لذة الأمن، وتجرعوا مرارة الفتن، وقلَّب لهم المناوِئُون الأمور. ولم يعودوا بحاجة إلى مزيد من الآيات، والنذر، والمواعظ، ليثوبوا إلى رشدهم، ويتدبروا أمرهم. ولو لم يَمْسَسْنا لهيب الفتنة، لما رفعنا صوتنا ناصحين، أو مُحَذِّرين، وإن كانت إعانة الأخ لأخيه ظالماً كان، أو مظلوماً من متطلبات الأخوة الإسلامية. وبوادر التصرفات الهوجاء، وغير المسؤولة، تؤكد أن شرقنا الممزق في مأزق، وأن أحلام [كيسنجر] تتبلور الساعة، تِلو الأخرى. وإذا استمرت تلك الروح العدوانية، الدموية، الحاقدة، فإن مصير الأمة العربية إلى سفال، وإن حروب داحس والغبراء، والبسوس، وحرب الفجار، وبعاث ستعود جذعة. لقد كانت للشعوب العربية أحلام طموحة، وتطلعات حضارية، ولكنها تكسرت على صخرة الاستكبار الغربي، وتشظت على يد الانقلابيين العسكريين، من أبنائها. فبعد طرد الاستعمار التقليدي، بثكناته، ومناديبه، ووصايته على سائر وجوه الحياة، تفاءلت الأمة خيراً، وعَلَّقت كل الآمال على أبنائها الذين خادعوها بمعسول القول. حتى لقد وصف الإعلام المصري [الضباط الأحرار] بأنهم {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} وبلغت بالثناء، والتمجيد حَدَّ التصنيم. ولكنهم خيبوا ظنها، وبخروا آمالها، وحطموا مشاعرها، بهمجية التصرف، واستمرار الفحيح الثوري. وقبل [الربيع العربي] ازدادت غطرسة القُوَّة، وتدخلات القطب الواحد، وجَوْر الصهيونية، وموت الأطفال في العراق من الحصار، وهلاك الآلاف جوعاً، وقتلاً، ووباءً في (السودان)، و(الصومال)، وما حولهما، وإنهاك (ليبيا)، و(اليمن)، وتصدع (لبنان)، وشاع الخوف، والجوع في وطن يحلم أهله بالأمن، والرخاء، والحرية، والاستقرار. وكل مصائبه من أبنائه النشاما، الذين قبلوا اللعب، وأذعنوا للغزو، والتآمر. وأصبح القتل، والتشريد، والإذلال خليقةً راسخةً، وإن خالوها تخفى على الناس. وها نحن اليوم، نعايش جماعات إرهابية ترفع راية الجهاد الإسلامي، بلا إمام شرعي، وبلا هدف مقدور على تحقيقه، وبلا استغناء عن الأعداء. جماعات تتخذ القتل، والتدمير سبيلاً، لتحقيق أحلام طوباوية. وكيف يستمرئ المُتَديِّنون القتل الهمجي، سعياً وراء تحقيق الخلافة الإسلامية، والولاء الأممي، وهم في الحقيقة يدمرون سمعة الإسلام، ويستعدون الأقوياء ويبرعون في صناعة الأعداء! وكيف يستسيغون القتل، وهم يقرؤون: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً}، والمتقاتلون على أرض [العراق] مؤمنون، أو مسلمون على الأقل، معصومو الدماء، والأعراض. وإن ضلت بعض مذاهبهم. ثم ألم يقرؤوا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}.? ولم يقف الوعيد عند هذا الإطلاق، بل أردفه المولى جل وعلا بقوله: {خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} أربعة وعود تحذيرية: الخلود، والغضب، واللعن، والعذاب: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}. وحتى في حالة الجهاد المشروع، هناك توصيات، وتحذيرات، لأن الدماء البشرية معصومة، إلا بحقها. فمن التحذيرات التي تؤكد حرمة الدماء قول الباري: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}. والمنظمات الإرهابية، المندسة وسط صفوف المقاومة المشروعة في [العراق] و[الشام ]. والحكومات الطائفية الجائرة المتسلطة، كل أولئك يأخذون المقيم بالظاعن، ويقتلون على الهوية، ولا يراعون في الضعفة من النساء، الأطفال، والشيوخ إلاًّ ولا ذمة. وها نحن نشم دخن الفتنة على أطراف وطننا. وها نحن نتلقى توجيه ولي الأمر، بأخذ التدابير الواقية على حدودنا مع (العراق) بعد تدهور الأوضاع فيه. وكلمتنا لِلاَّعبين بالنار، أن يعرفوا، أن هناك ثلاثة أشياء، تشكل خطوطاً حمراء بالنسبة للمواطن السعودي، المتصالح مع دولته. لا تقبل المزايدة: - العقيدة الصحيحة على منهج السلف الصالح. - والوطن الذي نشأنا من ترابه، وخطونا على أديمه، وأظلتنا سماؤه، وعمتنا خيراته. - والدولة القوية العادلة، التي توخت العدل، والإحسان، والمساواة، وتكافؤ الفرص، فأمنت، واطمأنت، وضمنت جبهتها الداخلية، واعتمدت بعد الله على إنسانها. ومن ثم لم يعد جسمها السليم قابلاً لأي وباء وجد مرتعه في أجسام دول تفقد المناعة. وأي مساس بأمن الوطن من أي نظام، أو طائفة، أو تنظيم ديني، أو قومي، أو إقليمي، سيواجهه المواطن باللسان، والسنان، معتمداً على الله، مستمداً النصر، والتأييد منه. فهو الذي وعد عباده بقوله {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}. {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَه}. المواطن السعودي لم يتعد على أحد، ولم يُرِدْ السوء لأحد. ومطلبه أن يُعَامَل بمثل ما يُعامِل به الآخرين. وكشاهد على خيرية البلاد وأهلها، فقد بادر الشعب السعودي، ممثلاً بقائده، إلى دعم [الشعب العراقي] الشقيق، بكل أطيافه، وطوائفه، وأعراقه، بما يدفع عنه غائلة الجوع، والذل. فيما نأى بنفسه عن بؤر التوتر، ومواطن الفتن، الأمر الذي حدا بـ[مفتي العراق] إلى الثناء على مبادرة المملكة الإنسانية. ولما لم نشأ تضليل الرأي العام العربي، والعالمي، فقد أبَنَّا عن رؤيتنا، وبادرنا بنصحنا. فالوضع في [العراق]، لا يقره دين، ولا عقل، ولا يقبل به عربي، ولا يرضاه مسلم. الشعب العراقي الأبي لا يمكن أن يدار من آيات [قم]، ولا يمكن أن يتحول إلى طوائف، وأعراق، يضرب بعضها رقاب بعض، ويمزق تفرقُها وحدتَها الوطنية، لتتحقق أحلام [الشرق الأوسط الجديد] على سنن تمزيق الممزق، بعد [اتفاقية سايكس بيكو]. حكومة العراق لم تستقل بقرارها، ولم تملك سيادتها، لا في زمن [بريمر] ولا في ظل [الآيات المعَمَّمة]، ولم تستطيع إذابة الفوارق بين أطيافها، وأعراقها، وطوائفها. وهَمَجِيَّةٌ كتلك مآلُها إلى الفناء، طال الزمن، أو قصر. لقد صبر الشعب العراقي، وصابر، وأتاح أكثر من فرصة، ولوَّح بأكثر من حل، ولكن الأطماع [الصفوية] والعنصرية [الفارسية] والحقد [المجوسي]، والأقنعة الطائفية، والعرقية، لم تمكن الحكومة العميلة من التقدم خطوة واحدة في سبيل تهدئة الأوضاع. والبوادر لا تبشر بخير، فالحرب الأهلية قاب قوسين، أو أدنى! والخاسر الشعب المظلوم، ومن ورائه الأمة العربية الجريحة. قد ينتصر النظام، بحبل من الناس، ولكنه لن يئد الفتنة، ولن يعيد الاستقرار. والأطماع الصفوية، والحكم الطائفي، لن يتحقق لها ما تريد. ومن مصلحة أهل الخليج خاصة، والأمة العربية عامة أن تعود الحكومة العميلة إلى رشدها، وأن تمنح الشعب العراقي فرصة اختيار نظامه العربي الإسلامي، الذي يحترم الطوائف، والأعراق، ويتوخى العدل، والمساواة، والبعد عن حكم الأقليات، واستبدادها، والمحافظة على حسن الجوار. لقد أخذت المملكة استعداداتها كافة لمواجهة كل الاحتمالات. وهي قادرة -بعون الله- على حفظ حدودها من أي مغامرة مجنونة. وأمنيتها ألا تخوض حرباً مع أحد، ولكنها لن تتردد في مواجهة أي اعتداء بمثله، ولن يكون لها مع الاعتداء، إلا خيار الحرب، وهو خيار صعب، ولكن [لابد مما ليس منه بُدُّ]: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. فليحذر اللاعبون بالنار مغبة مغامراتهم الطائشة. وليستفتوا قلوبهم عن جدوى الإثم الذي يحوك في صدورهم. وليغيروا ما بأنفسهم الأمارة بالسوء: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}?.