رواية مصرية عن كواليس الصحافة والفساد الذي ينخرها بقلم: عمار المأمون

  • 7/29/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب والصحافي المصري أحمد مجدي همّام يكشف كواليس عالم الصحافة والفساد الذي ينخره في رواية عيّاش بأسلوب متهكم وأجواء سوداوية تعكس الخلل الجوهري في ثقافة الراوي.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/07/29، العدد: 10706، ص(17)]جانب خفي للعاملين في الفضاء الثقافي لا تكتفي الصناعة الثقافيّة بالهيمنة على الجماهير وتوجيه الرأي العام وترسيخ أساليب الطاعة، بل أيضاً تساهم في صناعة النجوم الخاصين بها من كتّاب وصحافيين وفنّانين، عبر تكريس حضورهم في الفضاء العام، هذا الحضور لا ينبع من قيمة جمالية أو أدبيّة لمُنَتجِ هؤلاء النجوم، بل ينتمي إلى حسابات السلطة، بوصفهم يدافعون عن قيم وبنى تخدم إمّا رأس المال وإما السلطة السياسيّة، لتكون هذه الصناعة ونجومها وسائل تتيح الحفاظ على التجانس الفكريّ الذي يكرّس أشكال الهيمنة والتلاعب الممارسة ضد الجماهير. عمر عيّاش روائي مغمور وصحافي يكسب النقود من بضعة مقالات يكتبها شهرياً، وبعد أن ترك عمله في مكتب لاستيراد الكيمياويات، عُين محرراً في إحدى الصحف المحليّة التابعة للسلطة، وهناك يتحول إلى مُخبر ودمية بيد أحد الألوية، أشبه بماريونيت تظنّ أنها بلا خيوط، حكايته هذه نقرأها في رواية “عيّاش” للكاتب والصحافي المصري أحمد مجدي همّام الصادرة هذا العام عن دار الساقي بالتعاون مع برنامج آفاق لكتابة الرواية، وُيذكر أن همام صدرت له روايتان قبل هذه، هما “قاهري” و”أوجاع ابن آوى”، ومجموعة قصص قصيرة بعنوان “الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة”. يشابه عمر عياش الكثير من الكتاب المغمورين الذين يرتادون مقاهي وسط البلد، هو ينتمي إلى جيل الثورة وأحلامها، والذين اكتشفوا أن الكتابة لا تدرّ النقود، فعياش يقتات على راتب بسيط ومساعدات تصله من أخته في أميركا، وحين تمكن من العمل كمحرر ثقافيّ اكتشف أنه يمارس مهنة بيروقراطيّة وروتينيّة، إلى جانب تغلغله في عوالم الجريدة حيث النميمة والمنافسة والسلطة السياسية التي تطيح في ثانية بأي موظف، لكن عياش لا يكتفي بوظيفة المحرر، إذ يعمل أيضاً ككاتب تقارير تحت سلطة اللواء، ليترقى بعدها بالسلم الوظيفي، وتشتد علاقته بنورا التي سكنت أحلامه وفانتازماته الجنسيّة لفترة طويلة، هذا الوهم بالسلطة الذي يَنعم به عياش لفترة قليلة ما يلبث أن ينقلب عليه، ليقع ضحية مؤامرة تحاك ضدّه قامت بها نورا التي طلب يدها للزواج، إذ تنكشف تقاريره للعلن ويطيح به اللواء دون شفقة، لينتهي به الأمر بلا مال ولا عمل وطريح الفراش يعاني ألماً شرجياً حاداً إثر الناسور المصاب به. نقرأ الرواية بلسان عمر، الراوي يعي فعل التدوين، فنحن أمام نص أقرب إلى اليوميات التي تتقاطع بعض تفاصيلها مع همّام نفسه ككاتب وصحافيّ، إذ نقرأ تفاصيل العمل الصّحافيّ المألوفة للعاملين في القطاع ونتعرف على دور العلاقات الشخصيّة في هذه المهنة، كما تحضر في الرواية نصوص أخرى مختلفة عن صوت الراوي، لنقرأ النصوص الطبيّة التي توصّف الناسور الذي أصيب به عيّاش وأعراضه وكيفيّة امتداده داخله، كما نقرأ نصوصاً من روايته التي يؤلفها حالياً والتي يتداخل فيها واقعه مع المتخيل، كذلك نتعرف على المكائد التي يصنعها ونصوص التقارير التي يكتبها في زملائه وكيف يوقع بهم ليترقى في السلّم الوظيفي. وأخيراً هناك الروايات الأخرى، سواء أكانت من التراث العالمي أم من التراث العربي، فعيّاش مُتسهلك ثقافي مثالي، هو وليد النصوص التي إمّا يتقمصها وإما يولّدها، كأنه محكوم بهذه النصوص المسيّسة، إذ لا بدّ من تبرير “مكتوب” دوماً، لا بد من سرد من نوع ما ليفسّر ما يحصل معه وليبرر ما يقوم به.الرواية ترسم الملامح الساتيرية لحياة عياش، هو أشبه بضحية لا تدري ما الذي سيصيبها، ولا تدرك أنه يتم التلاعب بها تتهكم الرواية على الصناعة الثقافية والصحافيّة في المنطقة، هي تسخر من سلطة القائمين على الصحف وتكشف عن آليات إنتاج ما هو جماهيريّ، فعيّاش خاضع لعلاقات القوة التي تنتج الثقافة، فنراه صعلوكاً فقيراً يعيش وفق حسابات دقيقة ترتبط بمقدار النصوص التي ينتجها، ليجد لنفسه بعدها حبيبة، شاعرة مبتذلة، تسرق منه بداية ثم تأخذ عذريته، ولاحقاً نراها تتسبب في القضاء عليه، هو مجرد عزقة في ماكينة إنتاج كبيرة. أما الأعراض الجانبيّة لهذا الاستهلاك فتتمثل في الناسور الذي أصابه، هو المعادل المادي لعمق تأثير هذه الصناعة وقدرتها على تدمير الشخص، فوهم السلطة الذي تعطيه للقائمين عليها شديد التأثير ويتلاشى فجأة، كونه وليد نصوص/ تقارير، فما إن فشل عياش في كتابة أحدها حتى انقلبت ضده، هو كمن يحيك لهم المكائد، من السهل جداً استبداله، يكفي “نص” واحد ليطيح بأحدهم أو يُطاح به. ترسم الرواية الملامح الساتيرية لحياة عياش، هو أِشبه بضحية لا تدري ما الذي سيصيبها، لا يدرك أنه يتم التلاعب به، بل ويخلق التبريرات لنفسه حالماً بأنه سيصبح رئيس تحرير، هو أشبه بالبهلول الذي صدق خدعة الملك بأن الأخير سيسمح له بوضع التاج وحكم الجميع، فعيّاش صورة كاريكاتيريّة وأحياناً واقعيّة للعاملين في الفضاء الثقافي، وحياته أقرب إلى من يرقص على سطح من جليد، في كل مرة يقع ويوشك على الغرق، لينتشله أحدهم بعدها، سواء أكان هذا المنقذ نورا التي توقع به أم أخته التي ترسل إليه المحافظ والعطور لبيعها، أم حتى والدته التي تعيش الحلم الأميركيّ. أجواء الرواية السوداويّة تعكس الخلل الجوهري في الثقافة، كونها منتجا خاضعا لرأس المال والسياسة، وما يقدمه لنا همّام أشبه بشخصيّة بوكوفسكية ذات مغامرات جنسيّة فاشلة، تضيع في أروقة البيروقراطية والسلطة، فعيّاش لا ينبذ المؤسسة الرسميّة بل يتماهى معها ويتبنى خطابها ظناً منه أن فيها خلاصه.

مشاركة :