"حوض السلاحف" رواية عن ساعات السجن المملة بقلم: عمار المأمون

  • 1/4/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حوض السلاحف رواية عن ساعات السجن المملةتحكي الشاعرة والفنانة التشكيلية اللبنانية رولا الحسين في روايتها “حوض السلاحف” عن امرأة سجنت في إحدى الدول العربيّة نتيجة جريمة لا نعرف ملامحها بدقة، وخلال ساعات اعتقالها القصيرة هذه نراها تعيد تعريف علاقاتها مع ذاتها ومع من حولها، لتبدو أحيانا قلقة ومتوتّرة وفي أحيان أخرى ساخرة ومتهكّمة من السجن نفسه ومِمَّن فيه، “العرب” التقت الحسين في حديث عن “حوض السلاحف” وتجربة الكتابة عن لحظات التردد والطيش التي يعكسها السجن.العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/01/04، العدد: 10859، ص(15)]رولا الحسين: للسجن لحظات تردد وطيش باريس – رولا الحسين كاتبة وشاعرة وتشكيلية لبنانية، تخرجت من كليّة الفنون الجميلة عام 2003، ونشرت نصوصا ومقالات في عدّة جرائد، لها ثلاث مجموعات شعرية هي “اترك ورقة باسمك وعنوانك ولونك المفضل” و“أتحرّك فقط ليكنسوا الغبار تحتي”، وأخيرا “نحن الذين نخاف أيّام الآحاد”، لتصدر لها مؤخرا عن دار الساقي روايتها الأولى المعنونة بـ“حوض السلاحف”، وهي الرواية التي كانت قد فازت بمنحة آفاق ضمن برنامج آفاق لكتابة الرواية، الدورة الثالثة، بإشراف الروائي اللبناني جبور الدويهي. وتتحدث رولا الحسين لـ“العرب”، فتخبرنا بداية أنها مرت بحادثة اعتقال في أحد المطارات مشابهة لتلك التي نقرأ عنها في الرواية، لكن ليس هذا سبب اختيارها ضمير “الأنا” للراوي، بل لكونه يتلاءم مع حساسية وزخم صيغة المضارع التي تسعى لخلقها، ودفع القارئ للتماهي مع ما تختبره الشخصية، كما أنها تغفل التفاصيل المتعلقة بالسياق التاريخي والجغرافي، إلى جانب الكثير من ملامح الشخصية وانتماءاتها الاجتماعية، وتقول إنها تعمّدت ذلك لرغبتها في تكثيف تفاصيل “الآن وهنا” قدر الإمكان، ولهذا السبب أيضا اختارت للراوية أن تتحدث بصيغة الحاضر.الحسين تخفي الكثير من التفاصيل المرتبطة بالشخصية كاسمها وعمرها ومهنتها، فنحن لا نعلم عنها إلاّ ما تقوله وما يرتبط فقط بطبيعة وضعيتها الجديدة والهشّة ضمن السجن الزمن الضائع تخفي الحسين الكثير من التفاصيل المرتبطة بالشخصية كاسمها وعمرها ومهنتها، فنحن لا نعلم عنها إلاّ ما تقوله وما يرتبط فقط بطبيعة وضعيتها الجديدة والهشّة ضمن السجن، وترى الحسين أن معرفة أي تفاصيل إضافية ستؤثر على ما تودّ التركيز عليه، بل وستكون نوعا من الثرثرة التي لن تساهم بخلق حساسيّة الحاضر، وتعقب “السجينة اختارت أن لا تشارك معلومات عنها مع الباقيات لرفضها في البداية أن تقبل وجودها بينهنّ، كما أن هذا النوع من المعلومات سيكون ناتجا عن تذكرها لأحداث ماضية، وهذا ما لا يمكن أن يحضر خلال الفترة الوجيزة التي أمضتها في مكان التوقيف، وهذا الأمر يرتبط أيضا بكمية المعلومات التي عرفتها عن الأخريات أو بعضهنّ، كون ذلك لم يكن ممكنا في ظل الوقت القصير الذي احتجزت فيه، فلو كان الوقت أطول لكنّا أمام بنية مختلفة للرواية”. وترى الحسين أن الزمن القصير للاعتقال الذي لا يتعدى بضع ساعات لا يكفي لجعل الراوية تعيد النظر في قراراتها السابقة، فهي لم تعتقل بالخطأ، إذ تعلم أنها خالفت القانون، لكننا لا نعلم ما التهمة ولا كيف خرجت ولا حتى ما إذا كانت قد تمكنت فعلا من التواصل مع أصدقائها في الخارج، إذ كان من الممكن لشخصية أخرى أن تبقى نائمة خلال هذه الساعات، خاصة أن وقت التوقيف كان فجرا، إلاّ أنها بقيت صاحية طيلة فترة الحبس، حسب توصيف الحسين. وتعيد المعتقلة تأدية دورها كـ”امرأة”، فدورها الاجتماعي الثقافي لا يتعرّض للخلخلة ضمن الفضاء الجديد، إذ لم يمنعها السجن من إعادة اقتباس ممارساتها السابقة خارجه ومحاولة إعادتها، بالرغم من أنها في مكان مغلق لا استعراض ولا علنيّة فيه، بل من المستحيل تكرار هذه الممارسات خصوصا أنها في فضاء خاضع بشكل كامل لهيمنة السلطة، إلاّ أن الحسين لا ترى في الرواية تعليقا على مفاهيم الجندر لا من قريب ولا من بعيد، فالسجينة لم تفقد دورها الاجتماعي بعد كي تستعيده، وتعقب “نحن نتعرف على السجينة في أولى ساعات التوقيف ولمدة زمنية محدودة لم تجرّد خلالها من هذا الدور، وربما لو انتقلت إلى “السجن الكبير” كما تخيّلت وتحضّرت كانت ستعيش تلك الصدمة ويتم تجريدها كغيرها من السجينات من إمكانيات أداء هذا الدور، أما الصدمة التي عاشتها هذه السجينة فقد أخذت شكلا وحيزا مرتبطَيْن بالمساحة التي قدمها لها مكان التوقيف هذا”.حياة امرأة في حالة حصار وتختلف الحسين أيضا مع القراءة الجندرية للرواية، ولا توافق على أن السجينة كانت تؤدي دورها الاجتماعي والثقافي كامرأة، وترى أن هاجسها الأول كان مساحتها وخصوصيتها وما يتعلق بجسدها، وهذا شأن إنساني لا يتعلق بدور اجتماعي ما، بل هو مرتبط بشخصيتها بغض النظر عما إذا كانت امرأة أم رجلا، وتضيف “كان هدفها استغلال الوقت والاستفادة منه، لم ترد أن يحوّلها السجن إلى ضحية، إنما بحثت في رأسها عـن سبل لنقل كـل اهتمـاماتها إليـه شرط ضمان خصوصيتها ومساحتها الشخصية”. سياسات حيوية يتحول جسد السجينة إلى وسيلة لضبط العالم وقياس الفضاء الجديد، وكأنها تتحوّل إلى أداة “طبيعيّة” لتحقيق مساحتها الشخصية، كما تسعى إلى أن تحافظ على شكل معيّن للجسد مرتبط بوزنها وتفاصيلها وما إلى ذلك من محددات “صورتها” العلنيّة، وهذا ما لا ترى فيه الحسين أي تساؤلات جندرية وكأن هذه الهيمنة الثقافية التي يفرضها الخارج الذكوري والتي تتحوّل إلى “طبيعيّة” لدى الأنثى ليست إلاّ مجرد رغبات شخصية. وترد على ذلك بقولها “المحددات التي تريد أن تحافظ عليها السجينة، هي التي كانت تشغلها قبل الدخول، والتي لم يمر وقت عليها داخل السجن كي يتم استبدالها بأخرى، فهي حين أرادت أن تجد شيئا إيجابيا في سجنها كخطوة استباقية لتقبّل الأمر، رأت أن تستغل الوقت الذي قدّرت أنه سيكون متاحا لها لتقوم بما عجزت عنه في الخارج وهو إنقاص الوزن”. وتختم رولا الحسين حديثها لـ“العرب” بقولها “السجينة أرادت أيضا استغلال الوقت بطرق أخرى، إذ فكّرت في الأفلام والكتب وتعلّم لغة، وبالتالي نحن أمام امرأة لديها اهتمامات معينة أحدها الاهتمام بشكلها الخارجي دون أن تكون هناك أي محاولة لإدانة أو تبرئة أو أي إسقاط لفكرة أن المرأة أداة”.

مشاركة :