رواية لبنانية عن امرأة تعيد تشكيل هويتها من أجل خلاص شخصي بقلم: عمار المأمون

  • 8/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

رواية لبنانية عن امرأة تعيد تشكيل هويتها من أجل خلاص شخصي ما زالت المرأة في أغلب البلدان العربية تسعى للتحرر من الصيغة الدونية التي تحكم حياتها، ورغم الكثير من الإنجازات التي حققتها في بعض الدول ضمن الفضاء العام والحياة السياسية والثقافية، لكن ذلك لم يكن كافيا لتفكيك الصيغة القمعية التي تتضافر فيها القوى الدينية والسياسية للحفاظ على وضعيتها كمتاع وكائن أدنى، إذ لا بد من إعادة قراءة عميقة للماضي والحاضر لفضح بنى الهيمنة وتقنياتها وتجاوز الاختلافات الطبيعية والبيولوجية والخطاب الثقافي والسياسي القمعي الناتج عنها.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/08/12، العدد: 10720، ص(16)]فصام المرأة أمام المرآة تترك سارة اليتيمة منزل عمها في الضيعة هاربة نحو بيروت، إذ لم تعد قادرة على احتمال السجن الذي تعيشه بحجة الدين والأعراف، وبعد أن تصل إلى منزل أقرباء لها هناك تتحول إلى مرام، لتعيش تناقضات الماضي الذي ما زال يطاردها، لكن ما إن تظن أنها نجت منه حتى يعود لينغصّ استقرارها، حكاية سارة هذه نقرأها في رواية “مَرام” للكاتبة اللبنانية فدى أبوشقرا عطاالله الصادرة هذا العام عن دار الساقي، والتي نتتبع فيها رحلة الهروب الطويلة التي تعيشها سارة في سبيل امتلاك نفسها وقرارها الشخصيّ. امرأة جديدة تبدأ الرواية بوقوف سارة أمام المرآة، إذ تنزع الأخيرة عن نفسها الزيّ الديني التقليدي الذي يخفي جسدها وترتدي ثوب والدتها التي ماتت وسارة ما زالت طفلة، لتقف متأمّلة صورتها، فهي لا تمتلك حريتها الجسدية كونها دوما مغطّاة، لكن انعكاس صورتها بهذا الثوب يدفعها إلى ترديد “هذه أنا”، لا تلك التي تختفي وراء العباءة وتعيش كالأسيرة في ظل عمّها الذي يُهيمن على كافة جوانب حياتها. وجسد سارة في المرآة هو امتداد لتصوّرها عن ذاتها، هو ذاك الوهم الذي ما تلبث أن تحققه إثر هروبها من منزل عمها ورفضها الارتباط برشاد، العريس الذي فُرض عليها، إذ تصل إلى بيروت وتقيم لدى أقارب لها وتلتحق بالجامعة لتحقق حلمها بمتابعة دراستها كي تصبح فنانة، لا أسيرة هيمنة ذكوريّة تُحكم السيطرة على جسدها وعقلها ومشاعرها. وما إن تصل سارة إلى منزل أقربائها في بيروت حتى تخلع ذاتها القديمة، إذ تُصبح مَرام، الفتاة الشقراء التي تمشي في شوارع بيروت دون قيد، يرعاها عمّها يوسف، المكروه في القرية بوصفه متحررا وخارجا عن الدين والتقاليد. وترسم الرواية فضاءات القمع الديني وآليات النفي والعقاب التي تمارس على من يخالف الشرع الديني المتشدد، وبعيدا عن الأحداث والصراعات التي تحويها دفتا الكتاب، نحن أمام رواية مليئة بالحكم والمواعظ، إلى جانب الشِعر الذي يحضر على لسان الشخصيات أحيانا والراوي أحيانا أخرى وكأننا في مسرحية غنائية، دون أي غاية سوى تعميق العواطف الجيّاشة لمرام التي ما زالت أسيرة ماضيها، ما يكسب الرواية بعدا ميلودراميا يجعل الشخصيات تبدو ساذجة في بعض الأحيان، بل نرى الراوي يستحضر الاقتباسات والنصح والشعر الرومانسي الاستهلاكي، كل ذلك في وجه سلطة دينيّة ذكوريّة يحميها القانون بنصوص متماسكة تحضر في المحكمة التي تريد إعادة سارة إلى خطيبها رشاد بالقوّة. وتحوي الرواية الكثير من المصادفات التي تسيّر أحداثها، والتي تبدو غير منطقيّة أحيانا، فسارة وصلت إلى بيروت متخفّية بالعباءة، أقلّها سيزار بسيارته مصادفة من قارعة الطريق، لتكتشف لاحقا أنه ابن خالتها، كما أن السذاجة التي تحكم كلاهما تتجلى بأنه يراها في الجامعة ويقعان في غرام بعضهما البعض دون أن يتعرف هو عليها وقبل أن تعرف حقيقة قرابته لها، كما تتحول حادثة التحرش التي تمر بها سارة في المدرسة إلى حدث رومانسي عن أستاذ وقع في غرام طالبته، يستفرد بها في أحد الصفوف ويطلب منها أن تكشف وجهها باسم الحب."مرام" تحكي رحلة هروب فتاة من قرية تقمعها نحو بيروت، حيث تواجه مشاكل ماضيها الذي يقف في وجه حاضرها وهذه المصادفات ما تلبث أن تنتهي بمصادفات أخرى تتعلق بحقيقة أن والد سارة ما زال حيا، بالتالي يبطل زواجها من رشاد، كون من زوجها منه ليس بولي أمرها، وكأننا أمام مسلسل مكسيكي. ضد الذكورية توجه الرواية انتقادات شديدة للنظام الذكوريّ والمنطق الديني الذي يحرم المرأة من حقوقها، والذي ينعكس أيضا في تكالب القوى القانونية التي تدعّم سيطرة الذكر، ما كاد يدفع بسارة إلى ادّعاء مرض نفسيّ أو ادّعاء أنها زانية، وذلك كي لا يعيدها القاضي إلى منزل رشاد خطيبها الرسميّ، إلاّ أن هذه الانتقادات تبدو واهية أمام جرعات الرومانسية العالية والانهيارات العاطفية التي تمر بها الشخصيات. وتنتهي الرواية بصورة وردية مُصممة فقط كي تقود إلى لحظة انتصار سارة/مرام وتحقيقها لكل ما تريد وتتمنّاه بصورة فائقة الواقعية، فكل ما تمر به من مشاكل وعقبات ينحلّ فجأة برسالة منسية من أبيها الذي لم يمت، بل اختفى لقتله والدتها، لكنه ما زال يرسل إلى سارة مصروفا شهريا. حكاية سارة تعكس حال الكثيرات في مجتمعاتنا العربية، جسدها مستلب لبنية سياسية/دينية تتحكم في أدق تفاصيله، هي محكومة بدور اجتماعي وأداء مرتبط به ينفي كل من يحاول تجاوزه، أمّا حكاية نجاة سارة فلا تصلح لأن تكون نموذجا للتماهي، فالخلاص من التخلف والقمع عملية أشد تعقيدا من فارس يخلّصها مما هي به، سواء كان حاضرا كسيزار أو غائبا كوالدها، فخلاص الأخيرة كان إثر سوء تقدير وسهو من قبل الأسرة التي كانت تتحكم فيها سابقا.

مشاركة :