ظل الوطن العربي على مدى سنوات طويلة تمتد لمائة عام يحلم بمجتمع جديد وعصري وحديث يستند بحكم أهمية الدخول في تأسيس الدولة المدنية القائمة على مفهوم الدولة التي تقوم ركائزها على دستور وقانون ومؤسسات مجتمع مدني.. وجامعات حديثة ومراكز علمية.. كل ذلك جاء من خلال قادة فكر وأصحاب اختصاص في القانون والدساتير الحديثة.. إلى جانب مفكرين ومثقفين ومستنيرين.. تمثل ذلك في ما يسمى بعصر النهضة والتنوير من رفاعة الطهطاوي ولطفي السيد وعلي عبدالرازق وعبدالرحمن الكواكبي ومصطفى السنهوري وطه حسين وعشرات بل مئات من النخب العالية في الثقافة والعلم والمعرفة والذين ظلوا يحلمون بالدولة الحديثة استنادا إلى النموذج الغربي.. لقد مر الوطن العربي بتحولات وتحديات مفصلية من الفكر القومي والناصري والبعثي.. ثم صعود ما يسمى بتيار الإسلام «السياسي» كانت الأحلام الكبرى تؤكد على ضرورة الاتجاه إلى بناء الدولة الحديثة والمدنية وجعل النزعة الوطنية هذه أساس الدولة مع أهمية التركيز على أن تكون دولة الدين بمعناه المستنير والمتسامح كما هو الإسلام الحقيقي ودولة العلم والانفتاح والحوار والاستفادة من منجزات العصر. ها نحن الآن نرى أنفسنا أمام تيارات طائفية ومذهبية ضيقة الأفق والتفكير يقوم خطابها على القتل والعنف والإقصاء وتحلم بدولة دينية - ليست هي الدولة الدينية في عصر الإسلام الأول في نماذجه العظيمة والرفيعة من نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الخلفاء الراشدين والرجال الأفذاد الذين دشنوا معنى الدولة في بداياتها التاريخية الأولى. نحن اليوم أمام إسلام آخر من نوع آخر وذهنية أخرى يأتي من خلال فكر تنظيم «القاعدة».. ثم تنظيم «داعش».. وإذا بنا ندخل في مرحلة خطيرة تهدد الوحدة الوطنية في كثير من البلدان والأوطان العربية وما يحدث اليوم في سوريا والعراق يؤكد خطورة الأفكار السوداء التي تعشعش في العقول التي يقوم عليها تنظيما «القاعدة» و«داعش».. وهما تنظيمان ظلاميان لا علاقة لهما بالعصر.. ولا بالدولة الحديثة والمدنية بل يسيئان إلى الإسلام في أبهى معانيه وتجلياته السامية وأدبياته وتعاليمه الكبيرة. ولأن المملكة تمثل المركزية الدينية والإسلامية التي تمثلها الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ونظرا لما تمثله من ثقل مركزية سياسية وقوة اقتصادية وبترولية وحضارية وموقع استراتيجي ولأن كل هذه المفردات تمثل في مجملها منظومة كاملة وشاملة من قيم دينية واجتماعية تقف المملكة اليوم في لحظة زمنية فاصلة نظرا للتحديات الكبرى التي تواجهها.. ونظرا لوجود دوائر الخطر التي تحيط بها عبر تخومها وحدودها من العراق إلى اليمن وهو ما يقتضي معه الوعي بمدى خطورة دوائر الخطر.. التي حولنا وعلى مقربة منا ومن كل جانب وألسنة النار التي نراها مرتفعة هنا وهناك. إن الدول العربية بخاصة والأمة في عمومها تتعرضان لتهديد حقيقي في أمنها واستقرارها.. ومن هنا يقتضي الوعي باللحظة التاريخية التي تمر بها بلادنا تحديدا والأمة العربية نتيجة ظهور هذا الفكر الظلامي لتنظيمي القاعدة و«داعش» في السنوات الأخيرة. إن «القاعديين» و«الداعشيين» المنتشرين لن ينتصورا لأن حتمية التاريخ تقول بانتصار العقل والتنوير والحداثة.. لأن منطق العصر يقول بذلك نتيجة انتشار العلم والمعرفة والإعلاء من قيمة العقل، أما «القاعديون» و«الداعشيون» فإن مصيرهم الزوال والاضمحلال.. والنكوص.. ذلك أن منطق الدولة المدنية الحديثة يعزز أهمية منطق هذه الأشياء مجتمعة.. قيمة العقل والعلم والمعرفة والتفكير الحر لا الذهنية السوداء التي يحملها تنظيما «القاعدة» و«داعش» والمتمثل أخيرا في نموذجه أبو بكر البغدادي. دولة العلم والحداثة والمدنية هي التي سوف تنتصر وتسود في مواجهة الرايات السوداء والفكر الأسود.
مشاركة :