عالم مفتون بظاهرة الجنون!!

  • 7/30/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

الجنُون ظَاهِرَةٌ كَونيَّة، ووجُود المَجَانين فِي أَي مُجتَمع أَمرٌ ضَروري، حَتَّى يُخفِّفوا مِن صَفعة التَّطرُّف، وشِدّة التَّجهُّم، وغلوَاء الإرهَاب..!لقَد أَنفَق عَالِم الاجتمَاع «ميشيل فوكو»؛ نِصف قَرنٍ لتَتبُّع مُصطلح الجنُون، والتَّحوُّلات التي أَدَّت إلَى صِيَاغةِ مُصطَلَح «المَريض النَّفسي»، بَدلاً مِن مُصطَلَح «المَجنُون»، مُشيراً فِي كِتَابه «تَاريخ الجنُون فِي العَصر الكَلاسِيكي»، إلَى أَنَّ ذَلك الأَمر لَم يَكُن سَهلاً..!أَكثَر مِن ذَلك، بَدَأتُ أَجمع مَادة عِلميَّة عَن تَاريخ الجنُون فِي بريدة، حَيثُ وُلدتُ، وفِي المَدينَة المُنيرَة، حَيثُ عِشتُ، ولَكن المَادة مَازَالت فِي «قِدر الطَّبخ»، قَد تَستَوي وقَد لَا تَستَوي، وحَتَّى ذَلك الحِين، سأَتَّجه إلَى تَأليف حَاشية لكِتَاب «عُقلَاء المَجَانين»، الذي سَبقَني إليهِ الإمَام «النيسابوري»..!إنَّ وجُود المَجَانين مُهمٌّ فِي أَي مُجتمع، وأَعتَقد أَنَّ جُزءاً مِن تَعَاسة العَالَم العَربي، هو غِيَاب المَجَانين عَنه، ولذَلك يَقول الأَديب «ممدوح عدوان» فِي كِتَابه «دِفَاعاً عَن الجنُون»: (نَحنُ أُمَّة خَاليَة مِن المَجَانين الحَقيقيّين، وهَذا أَكبر عيُوبنَا، كُلٌّ مِنَّا يُريد أَنْ يَظهر قَويًّا، وعَاقِلاً وحَكيمًا ومُتفهِّمًا، حَيثُ يَدخل الجَميع حَالة مِن الافتعَال والبَلَادَة، وانعدَام الحِسّ، تَحت تِلك الأقنِعَة، فيَتحوَّل الجَميع إلَى نُسَخ مُتشَابِهَة، مَكرورة ومُملَّة..!نَحنُ فِي حَاجة إلَى الجُرأَة عَلَى الجنُون، والجُرأَة عَلَى الاعترَاف بالجنُون، فصَار عَلينَا أَنْ نَكفُّ عَن اعتبَار الجنُون عَيباً، واعتبَار المَجنُون عَاهَة اجتمَاعيَّة. فِي حَيَاتِنَا شَيء يجنّن، وحِين لَا يجنّ أَحد، فهَذا يَعني أَنَّ أَحَاسيسنَا مُتبلِّدَة، وأَنَّ فَجَائعنا لَا تَهزّنا، فالجنُون عِند بَعض مِنَّا، دَلَالة صحيَّة عَلى شَعبٍ مُعَافَى، لَا يَتحمَّل إِهَانَة، ودَلَالَة عَلَى أَنَّ الأَصحَّاء لَم يَحتَفظوا بعقُولهم، لأنَّهم لَا يَحسّون، بَل احتَفظوا بعقُولِهم، لأنَّهم يَعملون، أَو لأَنَّهم سَوف يَعمَلون عَلى غَسلِ الإهَانَة)..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي أَنَّ الجنُون فنُون، ولكُلٍّ طَريقته الخَاصَّة فِي الاستمتَاع بجنُونهِ، فهَذا مَجنُون بالكُرَة، وذَاك مَجنُون بالحُبّ، وثَالِث مَجنُون بالشِّعر، ولَم نَستَفد مِن العُقلَاء؛ إلَّا إنتَاج دَاعِش والقَاعِدَة وأَشبَاههمَا مِن المُشوَّهين، وهَذا «نزار قبَّاني»، أَحَد مَجَانين الشِّعر- يَقول:إنَّ الجنُون وَرَاء نِصف قَصَائِديأوَ لَيس فِي بَعض الجنُونٍ صَوابُ؟!

مشاركة :