تضحية «أم محمد» ..بريق لا ينطفئ أبداً «أم محمد» .. أمواج الهموم تتكسر على صخرة صبرها 07-09-2014 08:46 AM متابعات(ضوء):تالا أيوب -(الرياي): قصص الظلم والكفاح في مجتمعاتنا قصص طويلة ومسلسلات لا تنتهي حلقاتها، قصص متشابهة في فصولها وتتكرر في كل مدينة وقرية عربية، ومنها قصة ام محمد ..قصة امرأة أربعينية، حاصلة على شهادة الشامل، جميلة جداً، آثار التعب والإرهاق بادية على ملامحها، وجسدها النحيل يبتدئ يومه مليئاً بالحيوية والنشاط ليصبح منهكاً من التعب في نهايته، ذاقت مختلف أنواع الإهانة، وعاشت هي وأبناؤها جميع مراحل الجوع والعطش والبرد ... انها المضحية «أم محمد». قصتها ابتدأت منذ خمسة وعشرين عاماً حينما أرغمت بالزواج من رجل بخيل ولئيم وحاد الطباع. فقد أجبرت على الزواج به هو دون غيره بالرغم من تقدم الكثير من الرجال ميسوري الحال ومرموقي المقام من أطباء ومهندسين وموظفين لخطبتها، ولكن لجبروت أخيها المتسلط، الأخ المسؤول عنهم بعد هجر والدهم لهم ولوالدتهم وعدم التعرف عليهم، رفض أياً منهم وذلك بحسب قوله: «مستحيل أضع يدي بيد أي أحد أحسن مني لخطبة أختي»، ليس هذا وحسب بل تعدى ذلك الى رفض أي تعيين لأخته بأية وظيفة حكومية كانت أم خاصة. فقد لاحظت «أم محمد» منذ أول يوم خطوبة لها بخله الشديد وأرادت الانفصال عنه، ولكن مع اصرار والدتها وأخيها رضيت بالأمر الواقع وتزوجته، وعاشت مع عائلته المكونة من أمه وأخواته الخمس غير متزوجات في غرفتين مبنيتين من تراب، وعملن على قلب حياتها الى جحيم، تنام على مشاكل وهموم ، وتستيقظ على ضرب وإهانات، ويتعدى في كثير من الأحيان الى الطرد من المنزل، و أمه تقول لها :»لا أريد زوجة لابني بل أريد أطفالاً فقط، فوظيفتك فقط انجاب الأطفال». تعود الى بيت أهلها مكسورة الخاطر، وأهلها بدورهم يعيدونها الى بيت زوجها بعد فترة من الزمن، وكانت والدتها تنصحها دائماً بأن تحمل وتلد له أطفالاً لما لهم تأثير كبير على الرجل فيحصل التغيير، الى أن رزقها الله - سبحانه وتعالى - بأولادها والذين هم سندها وعزوتها على الأرض، ولكنهم عاشوا حياة الجوع والفقر والبكاء الشديد، وبعد فترة حصلت مشكلة وتم طُردها من بيت زوجها. وفي تلك الأثناء بقيت والدتها وأختها المغتربة تمدانها مادياً ومعنوياً الى أن توفت الوالدة، وتحول هذا الدعم الذي كانت تحصل عليه الى كره وعداوة من قبل الاخوة ذكوراً واناث، فقد حرموها من الورثة نتيجة عدم قبولها للانفصال عن زوجها وترك أبنائها له، فهي لا تريد لابنائها بأن يعيشوا نفس الحياة التي عاشتها نتيجة ترك أحد الوالدين لها وتجبّر أحد الاخوة ببقية أفراد العائلة. وبناء على ذلك طردوها من المنزل واضطرت الى استئجار مخزناً تعيش فيه هي وأبنائها، وحصل ذلك في فصل الشتاء وكان البرد قارساً، وقلبها يعتصر من الألم على رؤية أولادها جياعاً، متسرباً البرد الى أجسادهم الغضة، ولا يوجد مكان ينامون عليه سوى الأرض. لم تعد تحتمل الحال الذي هي عليه، فرفعت قضية نفقة على زوجها ليصدر الحكم بإعطائها مبلغاً زهيداُ لها ولأبنائها ولم يكن كافياً، فبحثت مليّاً عن عمل تقتات به عيشها وعيش أبنائها الى أن عملت كمربية أطفال لدى عائلة ميسورة الحال، وبجانب ذلك كانت تنظف البيوت. ومع مرور الوقت توفت والدته وزادت ضغوطات الحياة وما من معين، والذي كسرها - على حسب قولها - اشتياق الأولاد لأبيهم وبالأخص حينما علمت الابنة الصغرى البالغة من العمر أربع سنوات بوفاة جدتها قالت :»يسعد الله بدنا نرجع للبابا»، وآنذاك اضطرت العودة الى بيت زوجها هي وأولادها على أمل تحسن الأمور وتغيير الحال. وكان بيت الزوجية عبارة عن غرفتين من طين وساحة أمامه تحتوي على ثلاث حفر نضح ولا تصلح بتاتاً للعيش البشري وذلك وفقاً لما قالته لجنة السلامة العامة التابعة للدفاع المدني، وطلبوا منهم اخلاء البيت خلال 24 ساعة، وانتقلوا من البيت على مضض بعد تكفل الزوجة بأجار البيت والمصاريف. كثفت جهودها أكثر وعملت بالبيوت بصورة أكبر ولاقت ضغوطات في حياتها من شتى النواحي، سهرت، وتعبت، ودرّست، التحقت بالكثير من الجمعيات، وأثقلت وما زالت تثقل كاهلها القروض الكثيرة الى الآن، وعملت الكثير لراحة أبنائها التي تحس بهم ويحسون بها، والأرفع من ذلك كله بأنها لم تمد يدها أبداً لأحد بل انها تحصل على مصاريفها من عرق جبينها. ثمرات عمرها ... أبناؤها «محمد» تخرج من الجامعة بتخصص «أنظمة معلومات حاسوبية» ويبحث عن وظيفة يقتات بها عيشه ويعين بها والدته التي أتعبتها ضغوطات الحياة. و «فاطمة» نتيجة تفوقها وحصولها على المرتبة الأولى في الاكاديمية نالت منحة دراسية . «آية» الثمرة الثالثة لأم محمد فإنها في السنة الثالثة من الجامعة. تدرس، وفي العطلة الصيفية تعمل بالرغم من صعوبة الوصول للعمل كونه في منطقة مهجورة ومليئة بالعمال والكلاب الضالة الا أنها مصرة على مساعدة والدتها وأن تكون لها عوناً في الحياة. «نور» تجاوزت الثانوية العامة وها هي تدرس الهندسة في الجامعة. أما عن الثمرة الخامسة «محمود» فإنه في المرحلة الدراسية الثانوية، فيما الطفلة «جنى» آخر العنقود فهي بالمرحلة الابتدائية. أما عن زوجها في الوقت الحالي قالت «أم محمد»: «انني مضطرة لابقائه معنا بالرغم من كل ما حصل، ولكن لشدة خوفي من كلمة «مطلقة» فأنا لا أريد الانفصال عنه، وأرغب بوجود كلينا بجانب الأبناء عند تزويجهم، بالاضافة الى الرغبة العارمة في حماية بناتنا وأن نكون عزوة لهن أمام أزواجهن». «أم محمد» ... انها فعلاً مثالاً نفخر به جميعاً، فمعرفتنا قصة كفاح مثل هذه الأم في زمن خفت بريق بعض الأمهات به، يشغل حواسنا الخمس: نسعد برؤيتها، ونشم رائحة تعبها، ونتلذذ بتذوق طعم السعادة والفخر الصادرة من عيون أبنائها، ونطرب بسماع قصصها ونجاحاتها، ونلتمس ثمرات بطنها على الأرض. 0 | 0 | 6
مشاركة :