«سليمان العتيق» وصناعة القدوة - فهد السلمان

  • 7/11/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ورد في الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( كونوا دعاة وأنتم صامتون.. قالوا وكيف ذلك ؟، قال: بأخلاقكم )!. صناعة القدوة هي أقصر الطرق لبناء منظومة القيم، وهي الأكفأ في ترسيخها كسلوك عملي وكأداة فاعلة للتغيير والتطوير، ومهما تنوعت أساليب الوعظ، وتعددت أدواته، ومهما أوتي من البيان والبلاغة، فإنه لا يمكن أن يُنجز ما تنجزه القدوة برسائلها الضمنية التي تخاطب الوجدان، وتستحثة للمحاكاة. لقد تمهلتُ طويلا قبل أن أكتب عن هذه التجربة "موضوع هذا المقال" رغم أنها تمّت منذ أشهر، ورغم كل ما فيها من الإغراء للكتابة.. لا لشيء.. إلا لمحاولة قراءة نتائجها وانعكاساتها على الأرض، لتكون الكتابة عن النتائج وليس عن المقدمات، وقد كانت نتيجة هذا التأني أنني وقفتُ على مخرجات هذه التجربة الفريدة وآثارها، الأمر الذي يجعل الكتابة عنها في هذه الحال (فرض عين)، ليس من باب التصفيق أو الثناء، فقد مللنا هذه التعبيرات المشوهة بعد أن أُستخدمتْ كثيرا في غير مكانها، وإنما من باب لفت الأنظار إلى ما تفعله القدوة في حياتنا متى تم تركيبها في خانتها بلا تزييف ولا رياء. (سليمان عبد العزيز العتيق) شاعر وأديب ومثقف وصديق، لكن كل هذه الأوصاف لا تعنيني اليوم، بقدر ما يعنيني أن الرجل تبنى فكرة بسيطة وأنيقة عبر وضع براد كهربائي " ثلاجة " أمام منزله، خصصها لفائض الطعام في منزله ومنازل جيرانه، بحيث يتم تغليف تلك الفوائض بطريقة نظيفة لتكون في متناول أي محتاج دون دفعه إلى مذلة السؤال، الفكرة كما قلت: بسيطة جدا، لكنها في الواقع أغنتْ عن ألف موعظة وألف مقال وألف لجنة وألف اجتماع، لأنها حرّكتْ ضمير الخير في وجدان الناس دون أن تلبس "بشتْ" العناوين الكبيرة، أو تستعمل المنابر المضاءة والفلاشات، وإنما ذهبتْ للناس، وتحديدا طرفي المعادلة "المحتاج والمكتفي" ببساطتها، وبثياب البيت، بلا تكلف، ولا ماكياج، فنالت ما تستحقه من الرضا، حتى انتشرتْ وتجاوزتْ كل الحدود بحضورها كظاهرة إنسانية عذبة، بعد أن احتفتْ بها مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض وكالات الأنباء. ما فعله (سليمان العتيق) أنه حوّل ثقافته ووعيه إلى سلوك حي، أنه ترجم ما رآه من خلل فاحش في ميزان وفرة الغذاء وشحّه نسبة للفروق الاجتماعية إلى تجربة هو محورها، لهذا نجح في صناعة القدوة والأنموذج الملهم بالعمل لا بالقول، وأعتقد بيقين أنه هو أو غيره لو كتب ألف قصيدة، أو ألقى ألف محاضرة في نفس سياق الفكرة ذاتها، لما حرّك في هذا الجانب ساكنا، قدر ما تركته القدوة الطيبة في أذهان الناس الذين تلقفوا الفكرة ونفذوها، ولا تزال تتمدد اطرادا في غير مكان، وقيمة هذا العمل ليس في حجمه أو تكاليفه، وإنما لأنه استردّ العمل الإنساني والخيري من المؤسسات والجمعيات والاجتماعات التي يُنفق عليها كمصاريف إدارية " بما يُشبه إدارة عموم الزير الشهيرة " أكثر مما تقدمه للناس.. استردّه إلى طبيعته ومكانه في وجدان الأفراد ليُنجز في مجموعه ما هو أكبر من تكاليفه، وهذا هو المهم، كما أنه أسهم في بناء القدوة التطوعية على مستوى الأفراد، حتى لا ترتبط مثل هذه الأعمال بالأثرياء والموسرين فقط، وهذا هو الأهمّ.

مشاركة :