تحقيق: هند مكاويمع حلول فصل الصيف وموسم الإجازات يكثر السفر والرحلات والتجمعات مع الأهل والأصدقاء، إلا أنه وسط هذه الوجهات جميعاً نرى مشاهد باتت مألوفة، وهي انغماس كل فرد في عالمه الافتراضي غير متفاعل مع عالمه الواقعي والأشخاص الذين سعى للقائهم وقطع مسافات من أجلهم، ومع الوقوع فريسة للهواتف المحمولة التي تنهش الوقت، تضيع المتعة ويُفقد الاستمتاع بكل شيء، وأمام هذه الظاهرة يأتي السؤال المهم، ما الحل؟، هذا ما نرصده في التحقيق التالي. اتخذت علياء الأنصاري قراراً حاسماً بخصوص تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: «فعلاً يسرق الهاتف المحمول ووسائل التواصل الكثير من الوقت من دون أن نشعر، وتجعلنا نفتقد كثيراً من الأشياء المفيدة التي يمكن ممارستها وفعلها، لذلك قررت غلق جميعها مثل«الفيس بوك»و«الواتس آب»، وتركت تطبيقاً واحداً أستطيع من خلاله التواصل مع أهلي فقط، أما الأصدقاء والمحيطين فيمكنني التواصل معهم عن طريق الزيارات والتجمعات، ولم أطبق هذا القرار على نفسي فقط، إذ طبقته على ابنتي الصغيرة أيضاً، وفضلت أن يكون ذلك في بداية عمرها حتى لا تعتاد وتنشأ على الأجهزة الإلكترونية وتكتفي بمشاهدة البرامج المناسبة لعمرها عبر شاشة التلفزيون لاغير، وحاولت مع أصدقائي تفعيل هذا القرار عندما نجتمع. وللتغلب على هذه الآفة قررنا فرض عقوبة فيما بيننا، وهي أثناء تواجدنا معاً يكون هدفنا تبادل الحديث والتفاعل معاً وألا ننشغل بهواتفنا المحمولة، ومن يجد أنه غير قادر على السيطرة على نفسه يفضل ألا يحضر تجمعنا، أو أن يقوم بدفع الفاتورة عن الحاضرين».نصائح ضروريةحمد المطوع «طالب جامعي»، عاصر زمن ما قبل التكنولوجيا واختراع الهواتف المحمولة، ولذلك يرى أنه كان هناك متسع من الوقت لممارسة العديد من الهوايات وتنميتها، ويواصل قائلاً: «مع ظهور وسائل التواصل وانتشارها أصبحت تستهلك الكثير من أوقاتنا، ولا أجد معها أي فرصة لممارسة الهوايات، وحاولت توظيف التكنولوجيا بشكل إيجابي عن طريق تنمية مواهبي من خلالها، إلا أن أخواتي الصغار نشأوا على هذه الأجهزة ولم يستطيعوا الاستغناء عنها فأحاول قدر المستطاع تقديم النصائح لهم، وأن يخصصوا لها وقتاً معيناً، ولا مانع من الموازنة بين الواقع الافتراضي والحقيقي فعندما أكون في تجمعات مع الأهل والأصدقاء أعمل على التفاعل معهم وكذلك مشاركة لحظاتي المميزة أثناء الرحلات وتلقي التعليقات والإعجاب».وتشير سناء عبيد «موظفة» إلى أن هذه الظاهرة تجتاح كل المجتمعات، وتقول: «أصبح الكثير لا يستطيع السيطرة على عملية التواصل الافتراضي حتى خلال التجمعات، ولا أنكر أنني منهم ولا أتخلي عن الهاتف حتى إذا كنت في مناسبة أو وسط الأهل والأصدقاء، ربما لأن ظروف عملي تستلزم ذلك، وبعد انتهاء هذه التجمعات أشعر بعدم الرضا لانشغالي بهاتفي وعالمي الافتراضي وعدم الاستمتاع والتفاعل معهم».آثار مدمرةتعلق رائدة الأعمال الإماراتية هاجر العيسى، المؤسس والمدير التنفيذي لمنار المعرفة للاستشارات الإدارية والتدريب، قائلة: «رغم فوائد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها أحدثت أخطاراً مدمرة، مهددة تماسك العنصر البشري بقطع أواصر الاتصال بين أفراده، والقضاء على كثير من السمات الاجتماعية التي تُميزه عن غيره. ولعل من أبرز تلك الآثار ما يسمى بالإدمان الذي قاد إلى عزلتنا ومنها اكتسبنا سمات الانطوائية، وأصبحت لدينا فرصة للهروب من المجتمع، حيث أصبحنا نتعامل مع عالم افتراضي وأشخاصاً غير حقيقيين إن صح التعبير، أو على الأقل لا يدخلون ضمن نطاق دائرة المعارف والأقارب، فهم غرباء لا نستطيع التعامل معهم بشكل مباشر حتى وإن تمت معرفتهم، ومع مرور الوقت تتفاقم مشاعر الوحدة لدينا، ونُفصل عن عالم الواقع شيئاً فشيئاً، بما يزيد شعورنا بالاكتئاب وعدم الرغبة في مشاركة الحياة الاجتماعية والأسرية، بالإضافة إلى زيادة الشعور بعدم الثقة في النفس». وتضيف العيسى: «استخدام وسائل التواصل بكثرة يشكل عائقاً أمام إقامة علاقات عائلية اجتماعية سوية بين الأفراد، فقد زالت العادات الحسنة التي كانت أساس ترابطنا، بعد أن قطعت أواصر التواصل المباشر واقتصرت بين الأقارب والأصدقاء على الرسائل الإلكترونية عبر الهاتف في أهم المناسبات وأكثرها تميزاً، فبدلاً من ممارسة عملية التواصل بشكل مباشر عبر الزيارات المتبادلة بين أطراف العائلة الواحدة، والتي كانت تعكس التلاحمية وتخلق حالة من المودة والرحمة خصوصاً في المناسبات الدينية والأعياد وتأدية واجب العزاء أو زيارة المرضى، أصبحت هذه المشاركات الملموسة مجرد رسائل مقروءة فقط، لا لون لها ولا طعم، وبذلك فقدنا المعنى الحقيقي والسامي للتواصل وأصابتنا ظاهرة«الخرس الاجتماعي»، حتى في الأماكن الترفيهية كالمقاهي والمطاعم وأثناء الرحلات والتجمعات، لذا أوجه لهم رسالة ضرورية أغلقوا هواتفكم الذكية وأجهزتكم اللوحية، وضعوها في جيوبكم أو في حقائبكم، والتقوا بأرواحكم لا بأجسادكم مع أسركم وأصدقائكم، فبطارية العمر توشك على النفاذ، وما ذهب من الوقت فهو من ذهب».
مشاركة :