«جين إير» وحياة شارلوت برونتي الموحشة

  • 8/5/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» عند التأريخ لحياة شارلوت برونتي صاحبة الرواية الأشهر «جين إير»، لا بد من الإلمام بالجانب المشترك بين سيرتها وسيرة أختيها إميلي وآني برونتي، فقد كانت نشأتهن في كنف أب غريب الأطوار، وفي بيئة غير مألوفة، لها خصائصها المتفردة، ذات أثر بعيد في حياة هذه الكاتبة التي ولدت في مقاطعة يورك شاير سنة 1816، وماتت متأثرة بحملها سنة 1855، تاركة عدة قصائد، وأربع روايات هي (جين إير، شيرلر، فييت، والأستاذ)، ورواية خامسة لم تتمها عنوانها «إما»، ومجموعة من الأقاصيص بعنوان «المغامرات الاثنتا عشرة وقصص أخرى»، وكان موقع الجارديان البريطانية نشر «جين إير» من أفضل 100 رواية في العالم وجاء ترتيبها رقم 12.كان الأب قسيساً من أتباع «كلفن» المتشددين في التقشف، وهو ابن فلاح إيرلندي فقير جداً، إلا أنه منذ طفولته تطلع إلى الثقافة وأثار إعجاب قسيس قريته بذكائه، فأحسن رعايته، ولقنه القراءة والكتابة، وأصول الحساب، واشتغل عاملاً في مصنع نسيج يدوي، ليعول نفسه ويجد شمعة في الليل يقرأ في ضوئها كل ما يقع تحت يده من الكتب المدرسية، وغير المدرسية، فلما بلغ السادسة عشرة وجده القس أهلاً لأن يكون معلماً في مدرسة ملحقة بكنيسة أكبر في بلد أكبر، وقد اكتتب أعيان ذلك البلد لإلحاقه بجامعة كامبردج، وكان أكبر الطلاب المبتدئين في تلك الجامعة سناً.قضى الأب سنوات من عمره يبحث عن عروس واسعة الثراء، حتى وافت سنه الخامسة والثلاثين، فتزوج من فتاة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ورضي العمل في أشد مناطق المقاطعة وحشة وسوء مناخ، وفي هذا الجو المقبض ولد له خمس بنات وولد، في فترة لا تزيد على ستة أعوام، و ماتت الأم وجاءت شقيقتها لرعاية الأسرة.في بيت مغلق على أصحابه نشأ الصغار، لا يزورهم أحد ولا يزورون أحداً، يتعلمون في البيت على أيدي الخالة، وبإرشاد من الوالد القسيس الذي يغلق على نفسه باب حجرته معظم الوقت، وازداد شعورهم بالوحشة حين ماتت فتاتان على التعاقب من البنات الخمس، فلم يتبق منهن إلا ثلاث شقيقات كانت أكبرهن وأسبقهن إلى الشهرة شارلوت بقصتها العظيمة «جين إير».تركت شارلوت تراثاً من المسرحيات وأقاصيص المغامرات الخيالية للتسلية، وقد أجمع الدارسون على أن ما كتبته بين سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة يعتبر إعجازاً، ومن العجيب أن هذه الكاتبة الأهم في تاريخ الآداب العالمية كانت في نظر معلماتها من أجهل الطلاب، لأنها لم تكن تعرف شيئاً عن النحو، وقواعد اللغة، أما معرفتها بالجغرافيا فهي ضئيلة، لكنها في الإنشاء لا يشق لها غبار.عملت شارلوت مربية في عدة بيوت، ثم استقر الرأي على أن تفتتح الفتيات الثلاث مدرسة يدرنها معاً لبنات الأسر المتوسطة، لكن المدرسة أخفقت في اجتذاب البنات، وأصبح الأب شبه أعمى، وازداد ضعف بصر شارلوت، فباتت تتوجس من إصابتها بالعمى، ثم فصل شقيقها من العمل بعد أن أدمن الأفيون والشراب، وصارت تنتابه حالات من الهذيان والهياج، ولم تكن هناك لمحة مشرقة في تلك الفترة سوى نشر مجموعة من أشعار الشقيقات الثلاث بأسماء مستعارة.في صيف 1846 بحثت الشقيقات الثلاث عن ناشر لمجلد واحد ضخم يتضمن ثلاث روايات هي «مرتفعات ويذرنج» لإميلي، و«آجنس جري» لآن، و«الأستاذ» لشارلوت، ومضت فترة من دون أن تلقى هذه المساعي نجاحاً، وفي تلك الظروف شرعت شارلوت في كتابة «جين إير» التي قبل الناشر أخيراً إصدارها في ثلاث مجلدات في 6 أكتوبر سنة 1847.نشرت شارلوت روايتها باسم مستعار هو «كرر بيل»، ولقيت نجاحاً كبيراً حتى صارت حديث الناس، وموضع تعليق النقاد والكتاب في المجلات، وصار شغل الجماهير القارئة في إنجلترا أن تعرف حقيقة شخصية «كرر بيل»، إلى أن أعلن الناشر الحقيقة، وكتبت شارلوت مقدمة صافية لمرتفعات ويذرنج وآجنس جرى، لإميلي وآن برونتي، وقد ظن النقاد أن مؤلفة المرتفعات هي شارلوت، فاضطرت الشقيقتان للسفر إلى لندن وإظهار الحقيقة، ولم يكن الناشر يراسل شارلوت إلا عن طريق البريد، وكان يظنها رجلاً اسمه الحقيقي «كرر بيل» فعلاً، فلما وضعت شارلوت خطاباته إليها بذلك الاسم في يده سألها باستنكار: كيف وصلت إلى يدك أيتها الشابة هذه الرسائل؟ ولم يصدق الرجل أن الفتاتين الهزيلتين هما المؤلفان الشهيران كرر وآكتن بيل، وهكذا انفجرت الحقيقة الجديدة فأحدثت دوياً هائلاً في إنجلترا وأمريكا.في سنة 1848 مات الشقيق الأوحد للبنات ثم لحقته إميلي بعد 3 أشهر، ثم لحقت بهما آن، وبقيت شارلوت وحيدة إلى أن خرجت من عزلتها وكتبت «شيرلي»، ثم «فييت»، ولم تهنأ طويلاً بحياة الزواج والأمومة فقد ماتت في اليوم الأخير من مارس/‏ آذار سنة 1855.

مشاركة :