* الخطر الذي يواجهه العالم العربي هذه الأيام هو " الفراغ" ، فالأنظمة القائمة تعيبها عدة عيوب تجعلها غير مهيأة لملء الفراغ الذي كان يملأه حتى الآن الأجنبي ، وبالذات الأمريكي ، الذي تجوب أساطيله بحر العرب وخليجه والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ، مما جعل تواجد الأجنبي بقواعده في بعض البلاد وأساطيله المنتشرة يساهم في خلق توازن يمنع التجاوز فيما بين الكيانات العربية بعضها البعض وفيما بينها والقوى الأخرى أقليمية ودولية . إلا أن الأجنبي لا يستطيع تطوير الأوضاع الداخلية لكل كيان ، حيث واصلت هذه الكيانات نموذج حكمها الداخلي بأسلوب القبيلة ( وغالباً ما يكون عسكريا) بشيخ يأمر والبقية تطيع مبررين ذلك بأن الأولوية هي لمواجهة مخاطر العدوان الإسرائيلي ، في وضع وصفه سمو الأمير سعود الفيصل ، وزير الخارجية السعودي ، خلال كلمة له بمهرجان الجنادرية عام 2003 بأنه وهم قائلا : " الثمن الذي دفعناه من جراء خطأ هذا الوهم كان ثمناً باهظاً ، فلا الشعوب شاركت ( المشاركة السياسية ) ، ولا الأرض حررت ، ولا الحقوق استعيدت ، ولا التنمية تحققت " ! الإدارة الأمريكية الحالية ، التي تسيطر على الأساطيل الأجنبية والقواعد في منطقتنا ، أعلنت بسذاجة سياسية متناهية أنها سوف تنسحب من المنطقة وتقلص اهتمامها بها حتى تتمكن من نقل ثقلها العسكري والسياسي إلى آسيا ، لمواجهة الصين ، وشجع هذا الإعلان على اعتقاد بعض المغامرين ، إقليمياً ، أن الفرصة قد حانت للحصول على مكاسب في هذا الكيان العربي أو ذاك . وأبرز هؤلاء هو الدولة الإيرانية التي أطلقت حرسها الثوري لمد نفوذها في العالم العربي وتخصيص الأموال الطائلة لمغامرة التوسع والهيمنة وتوابعها .. وقرأت بهذا الشأن تحليلاً انتشر مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي ، ونسب إلى ما وصف بأنه " منسق الشئون الإستخبارية في وزارة الخارجية الأمريكية .. الذي قال إن الإيرانيين يدعمون حزب الله اللبناني بمبالغ شهرية تزيد عن (80) مليون دولار شهرياً وأن الحوثيين والجماعات التابعة لها تستهلك مابين (55) الى (65) مليون دولار شهرياً من الأموال الإيرانية ، وأن الإيرانيين ملتزمون بمصاريف شهرية في كل من الصومال والسودان والبحرين وحركة حماس والجهاد الإسلامي تتجاوز (150) مليون دولار ، بالإضافة لتكلفة دعمهم للجماعات المسلحة الطائفية في العراق مثل جماعات بدر والفضل العباس ومنشقين عن مقتدى الصدر بمبالغ ترهق بشكل كبير ميزانيتهم . أما سوريا فإن التحليل يصفها بإنها مستنقع بالنسبة لإيران حيث تبلغ إلتزامات أسلحة ومعدات ودعم للخزينة السورية ما يتجاوز (650) مليون دولار أمريكي شهرياً . لا شك أن اللاعبين في الساحة العربية كثيرون سواء من أبنائها ، بما في ذلك أولئك الذين يستخدمهم آخرون ويستجيبون بحماس إما عن سوء تقدير أو لأطماع شخصية ، أو من القوى الإقليمية أو الدولية . إلا أن الدور الإيراني يبقى الأبرز ويثير القلق نتيجة لتهور توسعي ونهم يتسم به . وخير مثال على ذلك دعم حملة الأسد لإبادة وتشريد جزء كبير من السوريين ، بحجة ضرب المعارضين . وكذلك الدعم السيىء لنوري المالكي الذي قسم شعب العراق ، وأدخل اليأس في قلوب أبنائه ببقاء الكيان العراقي متماسكاً ، كما أن الإيرانيين يطمعون في أن يكون لهم دور في أفغانستان أيضاً مع إنسحاب القوات الأمريكية منه خلال بضعة أسابيع . بحيث تكون واشنطن صاحبة فضل عليهم في تسليمهم العراق وجزء من أفغانستان ليفرضوا هيمنتهم المباشرة عليهما. الكيانات العربية تملك القدرة على ملء الفراغات وعدم إتاحة الفرصة لخلق فراغات غيرها إنما متى جرى تأهيل المجتمعات العربية وإعدادها لذلك ، بحيث لا يكون هناك مجال لداعش أو القاعدة ولا غيرها .. ونعود هنا إلى ما قاله الأمير سعود الفيصل بالجنادرية عام 2003 : " إننا نواجه أزمة هيكلية مزمنة نعتقد أنها هي السبب في تردينا الى الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا العربية ..." .. " ولقد آن الأوان لأن نمتلك الشجاعة الكافية لنقرر أن الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية هما المنطلقان الأساسيان لتجاوز الأزمة الهيكلية التي تتعرض لها دولنا العربية "..." تطوير المشاركة السياسية إذن لابد أن يندرج في إطار إصلاحي شامل وحقيقي .. إن المشاركة السياسية مطلوبة لذاتها ، ولكن تحقيقها يتطلب إقترانها بالتنوير السياسي والتثقيف السياسي ، والتنشئة السياسية ، والمأسسة السياسية ، بحيث تتعمق الوطنية وتترشح معانيها " adnanksalah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (5) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :