حين تطفو قضية تعنيف أو تحرش على السطح وتتناولها وسائل الإعلام تخرج التعليقات العاطفية الناتجة عن تفاعل وتعاطف طبيعي مع قضية مؤلمة" يمكنك أن تراجع وسائل الإعلام المكتوبة ووسائل التواصل الإعلامي في الثلاثة أشهر الماضية كمثال لترصد ردود الفعل هذه. في نظري إن ردة الفعل العاطفي هذه تكون وقتية تختفي حين ينشغل الناس بموضوع آخر ثم تظهر على السطح حين يعاد نفس السيناريو بضحية أخرى وهكذا ندور كمجتمع في دائرة من العواطف تحكمها ردود ونقاشات، تتقاذفها تيارات مختلفة أحدها يحاول أن يصور كل مطالبة بتجريم العنف أو منعه بأنها مطالبات تغريبية وكأن التعامل الإنساني وحفظ حق الإنسان ميزة غربية دخيلة يجب أن لا يتميز بها مجتمعنا حيث يصر هؤلاء على البقاء في مرحلة "الإنكار" غير مصدقين بوجود مثل هذه الأحداث ويصرون على أنها أحداث فردية، وهذه طريقة طبيعية ومعروفة يتعامل بها الإنسان مع الأحداث التي تمر به حين تخذله التجربة وتتقاذفه تصورات عقلية تشوش عليه الحقيقة وحين تختلط أولوياته وتيار يمارس اللوم العنيف ويصر أن يرمي بكاهل كل المساوئ التي تحدث على كاهل التيار الأول متناسين أن مثل هذه الجرائم هي جرائم إنسانية يجب التعامل معها بجدية، والأولويات يجب أن تحدد في المجتمع وحماية الضعيف هي أولوية إنسانية وواجب اجتماعي. فالعنف الأسري موجود في كل المجتمعات والتحرش موجود وتجارب المجتمعات الآخرى واضحة في تجريمه ووضع آليات واضحة لحماية الضعيف. التجريم للفعل يجب أن يكون محددا وصارخ المعالم، يمكننا أن ندرس هذه الظواهر والتصرفات نحدد أسبابها لكن تبريرها بأنها حالات فردية أو مقرونة بممارسات مشبوهة كشرب المخدرات أو التعاطي للمسكرات ليست مبررا مقبولا لتحجيم هذه الأفعال، أحد العوامل التي تزيد من العنف ضد المرأة مثلا هو التمييز الاجتماعي ضدها وهذا التمييز يأخذ صورا كثيرة قد نناقشها في مقالات لاحقة. فكرة الخوف من الطلاق مثلا قد تمنع الأهل من دعم ابنتهم المعنفة من زوجها وهذا التعنيف قد يمتد للأطفال، تقديم مصلحة العائلة ومنظرها الاجتماعي على الطفل والمرأة المعنفين تحت مسمى" وش يقولون علينا الناس؟" هذا يعتبر تصرفاً انسحابياً سلبياً. المجتمع سيبقى مشغولاً بتنازعات تياراته، ويمكن لهذه التيارات أن تمارس لعبة الخلافات والتراشقات الفكرية في مواضيع أخرى لكن حين يأتي الأمر لجرائم العنف الأسري يجب أن يكون الموقف الاجتماعي الأخلاقي حازماً، هي جريمة تشمل العنف اللفظي الحرمان من حق العمل الدراسة والتسجيل في الوثائق الرسمية والإيذاء الجسدي وغيرها كل هذه الأمور يجب أن تجرم ويجب أن يتخذ المجتمع بكل أطيافه موقفاً ضدها كما أن المؤسسات الرسمية يجب أن يكون لها مساحة أكبر للحركة فيما يتعلق بالأمور الأسرية، لابد أن يكون هناك بروتوكول واضح للتعامل مع حالات التعنيف والإيذاء الجسدي حين تكتشف من قبل المعلم أو المعلمة أو من قبل طبيب أو حين يريد ضحية العنف أن يبحث عن الحماية على سبيل المثال، حماية المعنف ودعمه يجب أن تأتي أولا. فهذا أمر لا يحتمل التأخير! كلام مكرر نعم…. فالحوادث مازالت تتكرر ونحن نحتاج لآلية فعالة للتعامل معها.
مشاركة :