ردّ الفعل الذاتي - نجوى هاشم

  • 7/15/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هل لاتزال تلك الصورة التي نُسجت في أذهان الناس والتي تعكس قدرتهم على صياغة حياتهم بعيداً عن كل المؤثرات الخارجية.. باقية كما هي؟ أم أن الإنسان أصبح أسيراً لما يجري حوله من تغيرات وأحداث يرتبط بها ويعيشها رغم اختلاف الجغرافيا..؟ وكيف تجعل منه جزءاً من تاريخها؟ قبل سنوات لم يكن الناس تحت تأثير "الميديا" بسطوتها القوية على العالم.. وكان بإمكان أي شخص أن يحتفي بتفاصيل حياته مهما كانت بسيطة وتافهة غير مكترث بما يضج به العالم من كوارث ومشاكل وحروب..! كان للناس دروبهم التي يتسكعون فيها غير عابئين بما يجري.. وبما قد يصل إليهم ويشحن مخيلتهم بالحقائق.. من خلال استعداد دائم للفصل عن كل ما يمكن أن يؤثر في حياتهم التي صاغوها.. ومن الصعب أن يسمحوا لك أن تتداخل معهم فيما لا يعنيهم أو يختصون به..! وقد تجد أحدهم عندما تحاول أن تدخله في دائرة ما يجري من أحداث سياسية.. ثقافية.. اجتماعية.. اقتصادية.. يقول لك إنها أمور لا تعنيه ولا يريد أن يوجع رأسه بها.. ولن يكون مسؤولاً عن أي حدث يُفرض عليه بعد أن اعتاد ان يختار أحداثه ويعيشها في أفقه الرحب..! في العشرين سنة الأخيرة وبعد تحول العالم إلى قرية صغيرة وبعد وصول التقنية إلى كل الأيدي وبسهولة.. والتي من.. خلالها تحولت المعلومة التي تحتاجها إلى رؤية ثابتة من السهل العثور عليها مغموسة في المدى وسحرالحضور.. مع كل ذلك هل بالإمكان أن يتكئ من صاغوا حياتهم بتلك الطريقة التي تشبههم من البرود والبعد عن التفاعل.. والإحساس بالآخر.. إلى الاكتفاء بالتدفق من داخلها.. وإغلاق كل مسارات الوصول إليهم..؟ أعتقد أن الحياة أصبحت ليست قابلة للانفجار فقط بل هي متفجرة.. على الأفق المفتوح.. وأصبح من لا يُحسن فهم ما يجري من الأحداث مرتبطاً بها.. ومتعثراً فيها بظروفه.. ومفاهيمه.. الخاصة.. واختزاله لوعيّ يخصه ويمارس من خلاله الحياة..! فقد تجد من يرسل لك يوتيوبا يتعلق بحدث ربما أصبح من الاعتياد حتى تختنق بكثرة ما يرسل لك.. بعضه يتعلق بأحداث حيوية وبعضه لا يعنيك ولا يرتبط بمفهومك وثقافتك.. ومع ذلك تتملكك الحيرة كون من أرسلها قد لا تعنيه ولا يفهم التفاصيل.. ولكن تدرك أنك لست في الماضي.. الذي لم يعد حاضراً..! ترتبط بالواقع المتدفق الأحداث كغيرك.. وإن اختلفت مفاهيم الاستيعاب.. فمثلا ًهذه الحروب المشتعلة والتي تتوسع حولنا.. وهذه الدماء التي تسيل في مشاهد لا تمت للعقل بصلة وقد تدفع البعض إلى ترك المشاهدة والامتناع عن متابعتها أو الاهتمام بحروب واقتتال عربي -عربي يباح فيه كل شيء.. يقابله ما يجري في فلسطين منذ أن تشكّل وعيّك على وجه الأرض.. ماذا عليك أن تفعل.. امام سريالية هذه الصور..؟ هل تكتفي بالحزن وهو أقل ما يمكنك أن تواجه به..! في الصورة المكررة منذ سنوات مع اختلاف الأمكنة وتغيرها والوجوه يتوسع في داخلك الألم وكأنه القادم الوحيد.. تعيشه في احساس يتحرك وكأنه معلوم ينغمس في تفاصيل تتفاعل منذ سنوات..! ليس بالإمكان أن تبتعد عن الاحداث التي حولك فهي طريق محدد عليك أن تصغي له بدقة وتهذب روحك بأوجاعه.. وتستنزف ساعات من القلق وأنت تعيش داخله..! هل أنت متعب؟.. ربما.. هل هو تعب قلب أم جسد أم عقل؟ أحياناً لا فرق بينهم ما دمت قد تبقى على هامش انتظار الغد بخوف قد يرهبك وهو يحتل الصورة..! لست مجبراً ان تكون ضمن من يرث كوارث العالم ويوزعها على هواجسه ومؤسسته الحياتية.. ومع ذلك تتحول إلى جزء مهم يتنفس مما حوله وليس من داخله..! ولم يعد ممكناً أن تختار شكل حياتك ذاتها إلا من خلال تلك اللغة التي تُفرض عليك إعلامياً فتنكفئ داخلها بردّ فعل ذاتي..!

مشاركة :