ثقافتان غائبتان عنا هما ثقافة الاعتذار، وثقافة الامتنان، وقبلهما الشكر.. في أغلب المحلات لا تسمع إلاّ شخصا يخاطب البائع «اقول عطني..» كيلو كذا، أو هذه السلعة، أو هي انت وهما مفردتان تفننا في استخدامهما وكأن لا بدايات للسؤال غيرهما.. هي لدى البعض تحقير أو اقلال من شأن من تتعامل معه، وأحياناً طريقة تخاطُب تخلو من الأدب والتأدب مع الآخر مهما كان مركزه، أو قيمته أو أهميته، وترتفع حدة التحقير بها مع من هم بسطاء وعمال، لا توجد طريق مهذبة لدى الكثيرين في التعامل مع الآخر، فمثلاً قليلون جداً من يستعملون مفردة «من فضلك» لو سمحت.. بعد اذنك.. الطلب يكون مباشراً وإن لم يكن دون لو سمحت، فهو بالقوة اللفظية، وبالذراع إن أمكن. هل لأننا لم نتعلم طريقة التعامل مع الآخر مهما قل قدره؟ هل لأن ثقافتنا وتربيتنا ثقافة قاصرة، وعاجز عن تنشئة جيل مهذب بإمكانه ان يعكس ما تعلمه في المنزل، وفي المدرسة؟ أم أن المنزل نفسه أحياناً يدرب الطفل على امتهان الآخر الذي هو أقل منه قيمة، والمسح بكرامته، خاصة إن كان أجنبيا ومسترزقا، وعلى باب الله، فمثلاً مَن يقول للشغالة في المنزل «من فضلك أريد كأسا من الماء؟ أو أريدك أن تكوي هذه الملابس؟ أو أي شيء آخر. ومَن يقول للسائق «من فضلك اصعد للسيارة أنا نازل معك؟ أو أنا أريد أن أخرج؟ الطبيعي يكون الطلب من الاثنين على النحو التالي: يا فلانة.. مرة أو مرتين، إن لم تسمع يا.. شتيمة، أو دعاء، جيبي كأس ماء، عساك ما تسمعين، أو إنك تتعمدي عدم السماع.. خذي الملابس واكويها بسرعة لا تتأخري.. أما السائق اصعد للسيارة بسرعة.. أو يا فلان ودي.. إلى .. أو اذهب إلى هناك وأحضر فلاناً.. تخلو طريقة التخاطب في الغالب من أي كلمة طيبة، أو مدخل إنساني يدفع هذا العامل لديك إلى العمل بحب، وليس من منطلق الحاجة، يمنحه لحظة سعادة، ويفتح أبواب الفرح التي غابت، وقد تسأل أحدهم يا أخي خف عليه، أو تخاطَب معه بطريقة ألطف وأرق، لأنني كما أعرف أنه سائق طيب، أو شغالة طيبة، وإن ذهب لن تجد غيره، فيجيبك بغطرسة: الله لا يرده أو الله لا يردها، يا كثرهم بفلوسي أجيب غيره، وغيرها، آخر قد يعقب أو أخرى.. خلك من القلب الطيب، هؤلاء لا يأتون إلاّ بهذه الطريقة إن عاملتهم بطريقة أفضل تفرعنوا، وشافوا نفسهم، أنا أخبر، اكسرهم يمشوا مثل الألف.. في الشارع مع البائع على عربة.. في السوبر ماركت، نفس الأسلوب الخالي من عبارات الترغيب في تجذر الإنسانية بين الطرفين، يعتقد من يشتري، أو من يطلب خدمة مدفوعة القيمة أنه لا يحتاج إلى مدخل إنساني، أو إلى حسن تعامل طالما هو بفلوسه يشتري، أو يستخدم الآخر، لذلك من الصعب أن تطالبه بالشكر، أو الامتنان الذي هو مرتبط أصلاً، ومتسلسل مع ثقافة حسن الطلب من الآخر، واحترامه من البداية، والقياس يأتي بعدها..!! (يتبع)
مشاركة :