تحولت أزمة الخليج، التي اندلعت أوائل يونيو الماضي، بين قطر والدول العربية الأربع (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) الداعية لمكافحة الإرهاب، أخيراً، إلى حرب كلامية، مع الدفع بالحجج السياسية، من خلال القنوات الفضائية ومقالات الرأي. وقد ترتب على المقاطعة التي فرضت على الدوحة تداعيات عدة، إلا أن اللافت في هذه الأزمة، الاهتمام الدولي بأوضاع العمال الأجانب في قطر، وحقوقهم التي يبدو أنها انتهكت منذ فترة ليست بالقصيرة. العمال الأجانب في قطر بالأرقام 1.7 مليون عامل أجنبي في قطر، أي أكثر من 90% من القوة العاملة. 3200 عامل، معظمهم أجانب، يعملون في استاد خليفة كل يوم. 500 - 4300 دولار أميركي، يدفعها العامل الأجنبي إلى شركة التوظيف في بلده الأصلي، للحصول على وظيفة في قطر. 220 دولاراً أميركياً، متوسط الراتب الشهري للعامل في استاد خليفة. عقبة كبيرة إحدى أهم العقبات، التي تواجه العمال الذين يسعون إلى اللجوء إلى العدالة، من خلال محكمة العمل، تتمثل في الرسوم التي عادةً تطلب المحكمة سدادها، للحصول على تقرير من خبير. وتعادل هذه الرسوم، التي تبلغ عادةً نحو 600 ريال قطري (165 دولاراً أميركياً)، ما يقرب من الأجر الشهري لعامل البناء. ويُعتبر توفير هذا المبلغ عقبة لا يمكن تحملها بالنسبة لمعظم العمال، لاسيما إذا كان الأمر الذين يشتكون منه هو عدم تقاضي رواتبهم. وقد التقى باحثون في منظمات دولية مع كثير من هؤلاء العمال، الذين قالوا إنهم ألغوا قضاياهم، عندما طُلب منهم سداد تلك الرسوم. وكثيراً ما يواجه عمال البناء ظروف معيشة بائسة، وبيئة عمل تكتنفها المخاطر. ففي عام 2013، صرح أحد كبار المسؤولين الطبيين، في مستشفى الدوحة الرئيس، بأن ما يزيد على 1000 شخص يُنقلون إلى المستشفى كل عام، للعلاج من إصابات لحقت بهم بسبب سقوطهم من المنشآت في مواقع البناء، وأن نحو 10% منهم يعانون بعد ذلك إعاقة دائمة. • قد تواجه الدوحة اتهامات في منظمة العمل الدولية، خلال نوفمبر المقبل، في ما يتعلق بإخفاقها في التصدي للعمل الجبري بفاعلية وحزم. ومن شأن هذه الخطوة أن تشكل ضربة قوية لمزاعم قطر للعالم، بأنها تعالج حقوق الإنسان للعمال المهاجرين. • منذ اندلاع الأزمة السياسية الخليجية، كانت هناك تقارير موثوقة، تفيد بأن العمال الأجانب في بعض مشروعات النفط والغاز بقطر، يحرمون من تصاريح الخروج، التي يحتاجونها من أصحاب العمل لمغادرة البلاد. طوال سنوات.. كانت المنظمات غير الحكومية ونقابات العمال تكافح بشكل دائم، من أجل تسليط الضوء على محنة العمال في قطر مع الاستعدادات لكأس العالم 2022. والآن، وفي الوقت الذي يسعى جيران قطر إلى دفعها للتوقف عن تمويل الجماعات الإرهابية، برزت حقوق العمال المهاجرين، لتكون مسألة مهمة للغاية. وجاء في مقال نشرته قناة العربية الفضائية، التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، في يونيو الماضي، أن «قطر لاتزال صامتة»، إزاء وفاة الرجل البريطاني، بينما كان يعمل في استاد كأس العالم. وفي الوقت نفسه، نشرت وكالات الأنباء خبر إلغاء الدوحة «الإجازة السنوية لجميع العمال» في يوليو الماضي، كما أشارت لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، إلى ما أسمته «عبودية عمال البناء». وبالنظر إلى وجود نظام عمل، مع مستويات متفاوتة من القسوة، تعتبر قطر فريدة من نوعها في التعامل السيئ مع العمال الأجانب. ومشكلة قطر الأساسية تتمثل في أنه على الرغم من أن الانتقادات الموجهة إليها من قبل المنظمات الدولية قد تتناقص أحياناً، فإنها ليست «أخباراً مزيفة» بالأساس. ويمارس العمل الجبري، في حق العمال المهاجرين بقطر، على نطاق واسع، ولم تتخذ الحكومة أي خطوات جادة، للتحقيق ومعالجة العدد الكبير من الوفيات غير المبررة بين العمال الشباب، ومعظمهم من جنوب آسيا، وهم الرجال الذين يبنون البنية التحتية للبلاد. ومنذ اندلاع الأزمة السياسية الخليجية، كانت هناك تقارير موثوقة، تفيد بأن العمال الأجانب في بعض مشروعات النفط والغاز في قطر، يحرمون من تصاريح الخروج التي يحتاجونها من أصحاب العمل لمغادرة البلاد. وهناك أيضاً مخاوف جدية بشأن الكيفية التي ستؤثر بها أسعار المواد الغذائية والحالة الاقتصادية غير المؤكدة الناجمة عن الأزمة، في المهاجرين. إصلاحات مهمة وبدلاً من اغتنام الفرصة، التي أتاحها التدقيق المرافق لتنظيم نهايات كأس العالم، وإدخال إصلاحات مهمة إلى نظام العمالة سيئ السمعة، وضعت قطر طاقاتها في جهد العلاقات العامة، بهدف إعادة إطلاق النظام القديم نفسه، والادعاء كذباً، في ديسمبر من العام الماضي، بأن نظام الكفالة وتصاريح الخروج قد ألغيا. هذا الرد البطيء والدفاعي من الحكومة القطرية، على الانتقادات المشروعة لانتهاكات حقوق المهاجرين، لا يصب في صالح قطر، ولا يساعد في إنهاء المعاناة الحقيقية للعمال المهاجرين. وفي أول كلمة يلقيها أمام الشعب القطري، منذ بداية الأزمة، شكر أمير قطر السكان غير القطريين على تضامنهم، معترفاً بإسهاماتهم. وأفضل طريقة يمكن أن يثبت بها هذا الامتنان هي احترام حقوقهم، في نهاية المطاف. وهناك مؤشرات تفيد بأن الدوحة أمام امتحان صعب، في هذا السياق، ومن المحتمل أن تواجه اتهامات في منظمة العمل الدولية نوفمبر المقبل، في ما يتعلق بإخفاقها في التصدي للعمل الجبري بفاعلية وحزم، ومن شأن هذه الخطوة أن تشكل ضربة قوية لمطالب قطر للعالم، بأنها تعالج حقوق الإنسان للعمال المهاجرين. عيون العالم على قطر في الوقت الراهن، وفرصة حكومة الدوحة واضحة، وإذا ما أرادت تصويب أخطائها، فيتعين عليها أن تلتمس الدعم من منظمة العمل الدولية للاتفاق على مجموعة حقيقية وجريئة من الإصلاحات في منظومة العمل وقوانينه، بما في ذلك إصلاح نظام الكفالة في قطر، إذ لا يمكن للوافدين أن يكونوا محاصرين من قبل أصحاب عملهم. وبالإضافة إلى ذلك، لابد من إطلاق تحقيقات شفافة في أسباب وفيات العمال، ووضع تدابير لمعالجتها. وضمان حماية حقوق العمال المهاجرين في الأزمة السياسية الراهنة بالقوة والكثافة نفسيهما، اللتين يتمتع بهما مواطنو قطر. أما إذا اختارت الدوحة الطريق الآخر، بمواصلة تشجيع الإصلاحات الجوفاء، فإن سوء معاملة العمال المهاجرين سيكون محل انتقاد القوى الإقليمية والمنظمات الدولية، بشكل دائم وأكثر إلحاحاً، وستكون قطر في موقف حرج، لأنها لا تفي بوعودها، وتراوغ لكسب الوقت وتحقيق نجاحات سياسية ظرفية. تناقض صارخ على مسافة تستغرق نحو 50 دقيقة بالسيارة، شمال العاصمة القطرية الدوحة، يقع حرم «كلية راس لفان للطوارئ والسلامة»، التي تم إنشاؤها أخيراً. وتُعد الكلية إنجازاً فنياً، إلا أن الأمر ليس كذلك لبعض العمال الأجانب، الوافدين من الهند ونيبال وسريلانكا، ممن أسهموا في بناء الكلية، إذ إن عملهم في قطر تحول إلى محنة طويلة، حفلت بانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان. وثمة تناقض صارخ بين الإنجاز الذي حققه هؤلاء العمال من جهة، والمعاملة التي لاقوها من جهة ثانية. ففي منتصف عام 2012، توقفت الشركة المنفذة عن دفع رواتب العمال، وتركتهم يعانون أشد المعاناة، لكي يتدبروا ثمن طعامهم، وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية. وفي نوفمبر من العام نفسه، توقف العمال عن العمل، بعد أن ظلوا شهوراً لا يتقاضون أجورهم، وحاولوا مغادرة البلاد. لكن الشركة لم تفِ بوعودها بأن بمقدور هؤلاء العمال مغادرة قطر، فلم تستخرج لهم تذاكر سفر، أو تصاريح بالسفر، ولم تسلمهم جوازاتهم التي بحوزتها. كما تقاعست الشركة عن استخراج تصاريح إقامة صالحة لمعظم العمال لديها، ما جعلهم عرضةً لغرامات باهظة، ولخطر القبض عليهم، إذا خطت أقدامهم خارج الباب الأمامي للمجمع السكني، الذي يقيمون فيه. تفشي الاستغلال على مدى أكثر من عام، خضعت قطر لتدقيق دولي مكثف في أوضاع حقوق العمال، وتم فضح الاستغلال المتفشي للعمال المهاجرين في البلاد، من خلال التحقيقات التي أجرتها منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الانسان، وصحيفة الغارديان البريطانية، ونقابات العمال وهيئات الأمم المتحدة وغيرها. وتكشفت الوقائع الأليمة للعمال المهاجرين، المستأجرين لإنشاء البنية التحتية، وتقديم الخدمات في أحد أغنى بلدان العالم، واعترفت بها الحكومة القطرية في النهاية. وقد ساعدت استضافة قطر لبطولة كأس العالم لعام 2022، التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على إبراز الانتهاكات، مع مناقشة القضية في البرلمان الأوروبي، واجتماعات اللجنة التنفيذية لاتحاد كرة القدم، ومنظمة العمل الدولية. ومارست جهات مختلفة ضغوطاً متزايدة على الحكومة القطرية والجهات المنظِّمة لبطولة كأس العالم، التي تتعرض للهجوم أيضاً بسبب مزاعم الفساد، كي تظهر للعالم أن المباريات يمكن أن تُقام دون استغلال مئات آلاف العمال الضروريين لإنشاء البنية التحتية، التي ستخدم هذه البطولة. واعترف أمير قطر، الشيخ تميم آل ثاني، بالمآسي التي تحدث للعمال في بلاده، لكن الاعتراف بالمشكلة لم يتبعه التصدي لها. فبعد مرور سنوات على فوز قطر بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، لايزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة مستعدة لاتخاذ الخطوات الحاسمة الضرورية، لوقف الانتهاكات المخيفة. وفي مايو 2014، وعدت قطر بإجراء إصلاحات محدودة في نظام العمل الخاص بالأجانب وتصريح الخروج، من جملة أمور أخرى. وترى منظمات حقوقية أن الفشل في تنفيذ إصلاحات جدية، تكفل احترام حقوق العمال في الأشهر المقبلة، سيضع علامة استفهام حول مدى جدية السلطات القطرية بشأن الإصلاحات. وإن إرث بطولة كأس العالم لعام 2022، سيتمثل في استغلال مئات آلاف العمال لتأمين إقامتها. وتعتزم منظمة العفو الدولية إعادة تقييم التقدم الذي يتم إحرازه في مجال الإصلاح، في غضون ستة أشهر.
مشاركة :