فى إطار التحقيقات الدائرة فى واشنطن حول علاقة الرئيس الأمريكى «ترامب» وعدد من مساعديه بروسيا، وتأثير الأخيرة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تحدث بعض المحللين عن قرب رحيل «ترامب» عن البيت الأبيض، وشبهوا ظروفه الحالية بما حدث مع الرئيس الأسبق «نيكسون»، الذى تعرضت إدارته للتحقيق بشأن ما عرف بفضيحة «ووترجيت»، وكاد الأمر أن يؤدى لمحاكمة نيكسون فى الكونجرس وإقالته، ولكنه استقال تجنباً لذلك. السؤال إذن هل يرحل ترامب؟ إجابتى هى لا، أو على الأقل من السابق لأوانه الوصول لهذه النتيجة وذلك لعدة أسباب. أولها أن محاكمة الرئيس وإقالته تتم من خلال الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، والحزب الجمهورى (حزب ترامب) يسيطر على هذين المجلسين، صحيح أن هناك خلافات بين ترامب وبعض القيادات الجمهورية، إلا أن تخلى الجمهوريين عن ترامب يعنى أن الرئيس القادم سيكون من الحزب المنافس (الديمقراطى) كما جاء كارتر بعد نيكسون، بل قد يفقد الجمهوريون أغلبيتهم فى الكونجرس من تأثير الفضيحة، وبالتالى فإن الحسابات السياسية قد تمنع التحرك نحو إقالة ترامب من خلال الكونجرس. علينا أيضا التفرقة بين ما يحدث فى العاصمة واشنطن واهتمامات النخبة بها بقضية خلع ترامب، وما يحدث خارج واشنطن واهتمامات المواطن العادى. وهنا نشير إلى أن الاهتمام الأساسى للمواطن الأمريكى هو الأوضاع الاقتصادية، وتوضح الأرقام أن ترامب قد حقق إنجازاً فى الأشهر الستة الأولى لإدارته تمثل فى زيادة فرص العمل، وانخفاض نسب الفوائد على القروض مما يشجع على الاستثمار، والقضاء على العديد من الإجراءات الحكومية أو ما يسميه الأمريكيون Regulations، والتى تحد من نشاط القطاع الخاص، أى أن ترامب حقق قدراً من الإنجاز الاقتصادى يحسب له. يضاف لذلك أن قاعدة ترامب الشعبية لاتزال متماسكة إلى حد كبير، ومعظم الذين صوتوا له فى الانتخابات الأخيرة يرون أنه حقق الكثير من وعوده الانتخابية، ومنها الخروج من اتفاقية الشراكة التجارية مع دول المحيط الهادى، ومن اتفاقية باريس للمناخ، ويبذل جهداً كبيراً لمكافحة الإرهاب، والحد من الهجرة للولايات المتحدة. صحيح أنه لم يف بتعهده الرئيسى ببناء سور على الحدود مع المكسيك، ولكن العديد من أنصاره ينظرون لبناء السور على أنه «تعبير مجازى»، وطالما استمر ترامب فى تبنى سياسات للحد من الهجرة غير الشرعية فهذا كاف بالنسبة لأنصاره. صحيح أن شعبية ترامب متدنية وفقاً لاستطلاعات الرأى العام، ولكن ترامب يتشكك فى نتائجها ولا يعيرها اهتماماً، ويرى أن استطلاعات مشابهة حول تدنى شعبيته قيل انتخابات الرئاسة لم تمنع وصوله للبيت الأبيض. صحيح أيضاً أن الإدارة الأمريكية تشهد فوضى عارمة نتيجة استقالات متتالية لعدد من كبار مساعدى ترامب، كان آخرهم مدير مكتب الرئيس، إلا أنه فى المقابل يمكن القول إن العديد من اختيارات ترامب لرجاله قد فاجأت الكثيرين، واتسمت بقدر كبير من العقلانية والرشادة منهم جيمس ماتيس، وزير الدفاع، والجنرال ماكمستر، مستشار الأمن القومى، ووزير الأمن الداخلى، جون كيلى الذى أصبح الآن مديراً للبيت الأبيض. وقد أضفت هذه المجموعة قدراً من الرشادة على سياسات ترامب، خاصة ما يتعلق بالأمن القومى، وشجعت ترامب على التخلى عن العديد من السياسات غير الواقعية التى طرحها أثناء حملته الانتخابية، على سبيل المثال تخلى ترامب عن توجه التصعيد مع الصين واستبدله بنهج التعاون معها، وبالرغم من هجومه الشديد على إيران إلا أنه أقر أخيراً بالتزامها بالاتفاق النووى الموقع معها، وتوقف عن الحديث عن إلغاء هذا الاتفاق. باختصار ترامب أصبح ينطبق عليه التعبير الأمريكى «السياسى يدير حملته الانتخابية بالشِعر ولكنه يحكم بالنثر» أى أن الواقع وليس الأمنيات أصبح هو المحدد الرئيسى لسياساته، وهو ما سوف يسهم بدرجة كبيرة فى بقائه بالبيت الأبيض. makamal@feps.edu.eg
مشاركة :