ماذا يعني مصطلح «البيانات الضخمة»؟

  • 8/8/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لنستهل التعريف عن «البيانات الضخمة» («بيغ داتا» Big Data) التي وردت الإشارة إليها آنفاً، بالحديث عن كميّة المعلومات التي يقدّر أنها تتوافر للبشر حاضراً. إذا وُضِعَت تلك المعلومات على أسطوانات رقميّة مُدمَجَة «سي دي»، ثم جُعِلَت في صفوف متراصة، تصنع الأسطوانات 5 طرق بين الأرض والقمر، مع ملاحظة أن المسافة بين الأرض والقمر قرابة 384.4 ألف كيلومتر، ما يعني أن معلومات البشر تساوي قرابة 1.9 مليون كيلومتر من الأسطوانات الرقمية المُدمَجَة! إذاً، كم يبلغ متوسط حصّة الفرد المعاصر من المعلومات؟ يقدر أنها 384 «إكزا بايت» Exabyte، مع ملاحظة أن كل «إكزابايت» تساوي بليون غيغابايت! ومن المثير أنّ معظم تلك المعلومات مكتوب بـ «لغة» واحدة، هي لغة الكومبيوتر التي توصف أيضاً بأنها «لغة ثنائيّة» Binary Language، لأنها تتألف من عددين هما صفر وواحد. بقول آخر، يتوافر قسم كبير من هذه المعلومات على هيئة ملفات إلكترونيّة رقميّة مكتوبة على الكومبيوتر، تشمل الكتب والنصوص والجرائد والمجلات والمنشورات والدراسات والصور والخرائط والرسومات والأفلام والأغاني والموسيقى والرسائل وما يكتب يومياً على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي ورسائل الخليوي. بات كل شيء يكتب ويوضع على الكومبيوتر، فيصبح جزءاً من ملفات رقميّة مكتوبة بلغة الإلكترونات التي تتألف من عددين هما صفر وواحد!   3 طرق للتعامل مع سيول المعلومات إذاً، صارت كل المعلومات قابلة لأن توصف وتخزّن وتُصنّف وتُبحث وترصف، عبر أداة واحدة هي الإلكترونات وملفاتها الرقميّة. يُطلَق على هذا الأمر تسمية «الرقمَنَة» Digitization، وهي من الملامح الأبرز لزمن البيانات الضخمة. لم تعش البشرية شيئاً كهذا من قبل، وهو أمر يجدر تذكّره كثيراً عند التفكير في البُعد المختلف لمسألة «البيانات الضخمة» في عصر المعلوماتيّة. وما هي الطُرُق التي ينصح بها علماء المعلوماتيّة في التعامل مع «البيانات الضخمة»؟ ثمة 3 مهارات أو طرق في التفكير، يجدر التنبّه إليها، وهي: 1-ضرورة هجران الدقّة لمصلحة التشديد على أهمية الخطأ ووجوده. لا نكران للخطأ، بل الأهم وضعه دائماً في الاعتبار والتفكير بأنه موجود فعليّاً. 2-وضع الجهد باتجاه تجميع المعلومات والمزيد منها، ووضع المعلومات المتراكمة موضع الاستخدام اليومي والمستمر، خصوصاً مع تفتح آفاق واسعة في الحصول على المعلومات وتنويعها وتجميعها وتخزينها، وبكلفة تتدنى باستمرار. 3-التركيز على فهم العلاقات والروابط والميول بدل التشديد على البحث عن الأسباب والعلل! ربما لا يعجب كثير من العقول في عوالم العرب، الكلام الوارد أعلاه وهو مقتبس من كتاب صدر أخيراً في أميركا بعنوان «البيانات الضخمة: ثورة تغيّر طريقة عيشنا وعملنا وتفكيرنا» Big Data: A revolution that would Change the Way we Live, Work Think للبروفسور كينيث كروكر، وهو جدير بالترجمة إلى اللغة العربيّة لأنه ينطق عن لحظة العيش الحاضر مع تلمّس جريء للمستقبل. وربما بدا غريباً لكثيرين أن يتّخذ التقدّم الأكثر قوّة في العلم، بل دقّة أيضاً، مدخلاً للمناداة بالقول بضرورة هجران الدقّة. لعل الكلام يبدو مؤلماً لمن يتخذ العلم ملاذاً ومهرباً، وليس لمن ينظر إليه باعتباره تجربة فوّارة وتحدياً دائماً وتمرّداً لا يهدأ. لنترك جانباً أولئك الذين دأبوا على أن يكونوا «مأخوذين» بالعلم (على طريقة تذكّر الانجذاب الصوفي التقيّ، وهو أمر مفهوم دينياً)، بمعنى أن ينظروا إليه بوصفه شيئاً مُطلقاً ومتعاليّاً ومتساميّاً وغيره من الألفاظ التي تشي بنوع من إسقاط مطلقات دينية على العلوم، بدل احترام وقوفها ضمن حدود العقل الإنساني، وعدم إدعائها بأنها مقدّسة ولا مُطلقة.   ليس خطأ الوقوع في الغلط يرد في الكتاب ذاته، أنّ الملمح الثاني المهم في عصر «البيانات الضخمة»، يتمثّل في كون المعلومات باتت كلّها تكتب بـ «لغة» واحدة هي لغة الكومبيوتر الرقميّة المؤلّفة من عددين هما صفر وواحد. تكتب بلغة الكومبيوتر الرقميّة الإلكترونيّة الأشياء كلّها: الكتب والنصوص والأفلام والفيديو والأغاني والموسيقى والخرائط والمــكالــمات والمــحــادثات والبريد ومحتويات شبكات الاتصالات وما يكتبه الناس على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها. إذاً، ما هو مكان الخطأ في الصورة؟ هل يمكن تجنّبه؟ الأرجح أن لا. لم يعد وجود الخطأ هو المهم، بل صار متوقّعاً أن يكون موجوداً في عوالم معرفة متحرّكة باستمرار، وتأتي من مصادر فائقة التنوّع، وتلك أشياء تضمن ثراءها. المهم هو التحسّب لئلا يفسد الخطأ المنظومة الكبيرة من المعلومات. ويحرص الكتاب على تحريض العقول على هجر تقاليد الإحصاءات الدقيقة المهجوسة بشغف التخلّص من مصادر الخطأ، لمصلحة عدم الخوف من الخطأ، بل التركيز على أوسع تنوع من المعلومات، وأقصى درجات التعدّد، والحرص على الحصول على الثراء في المعلومات، والبحث عن الأصوات كافة. ويربط الكتاب بين ذلك الأمر وإملاءات ربما لا يصعب التفكير بها، كالتحفيز على التفكير بالروابط بين الأشياء، وهو أمر متواضع وممكن، بدل محاولة الوصول الى «تفسير شامل» للأمور بعللها وأسبابها ومنشأتها.

مشاركة :