الشباب هم الثروة الحقيقة لأي مجتمع إنساني؛ نظراً لأنهم يتمتعون بسمات عاطفية وجسمية، وذهنية، واجتماعية، كما يمثل الشباب الفئة الغالبة في أي تركيبة سكانية، لذا نظرت حكومات مجتمعاتهم إليهم نظرة إكبار وإجلال، وعلقت عليهم الآمال، واعتبرتهم القوى الفاعلة التي تستطيع تحقيق التنمية الشاملة في مختلف مجالاتها. لكن مفكري الجماعات المتطرفة نظروا إليهم على أنهم أدوات رخيصة؛ لتحقيق أهدافها، كما نظرت إليهم على أنهم دروع واقية عند مواجهة نظمهم الحاكمة، ملبسين عليهم مفاهيم الجهاد والشهادة والبذل والتضحية والإيثار وغيرها. أكد الفكر العلمي بأنّ الشباب قوى عاطفية جياشة، إذ يتمتعون بغزارة العواطف، وكثرة الانفعالات من خوف، ورجاء، وخشوع، وعطف، وتقلب المزاج، والميل إلى الجهاد، والتضحية، وسرعة الشعور بالذنب، والتقصير، وشدة التأثر، والاستجابة لما يسمع أو يرى من الأقوال والأفعال، وسرعة التقلب في العواطف، فالشباب يحبون، ويكرهون، ويفرحون، ويغضبون بسرعة، ويتسرعون في اتخاذ القرارات. وأيد أن الشباب طاقات بدنية جامحة، حيث يستطيعون أداء كل عمل يتطلب القوة، والبطولة من حمل السلاح، كما يقدرون على القيام بالأعمال والتدريبات القتالية، التي هي في الأصل تستهدفها الجماعات المتطرفة، ولديهم القدرة على تحمل الأضرار الناتجة عن هذه الأعمال والمواجهات. وبرهن بأنهم خامات ذهنية متوقدة، حيث يتمتعون بسرعة تشكيل الخيال الخصب وتعديله، ويحبون الاستطلاع، ولديهم القدرة على الإبداع، ودخول المنافسات الشريفة، وممارسة التجريب لكل ما هو جديد وغريب، ولديهم القدرة على التفكير والتأمل، وطرح الأسئلة، والمناقشة والمجادلة، وتنظيم الأفكار، والتعبير، والنقد. والتغيير، والوعي الديني وتطبيق العبادات على بصيرة لا كما في مرحلة الطفولة. ودعم على أن لديهم آداباً اجتماعية تعينهم على القيام بالأعمال التطوعية الجماعية، ومعاملة الآخرين باحترام، وإقامة شبكة من العلاقات معهم أساسها التقدير والثقة المتبادلة، ويميلون إلى الاستقلال عن الآخرين، والاعتماد على النفس ولاسيما والديهم، يجيدون الاستماع والاستشارة ممن هو أكبر منهم. لقد أدركت قيادات الجماعات المتطرفة هذه السمات العامة للشباب، وبالتالي لن تستطيع التأثير على عموم الشباب بشعاراتهم، فبحثوا عن من لديه منهم أزمات ثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وتعليمية، وسكانية، ومهنية، وأخلاقية، وصحية،... ونحوها، فاتجهوا إليهم ونجحوا في جذبهم واحتوائهم؛ لتحقيق نوعين من الأهداف، النوع الأول من الأهداف وهي الرئيسة، وتتمثل في: مناهضة السلطة، وتكفير المجتمع المدني، وهدم الحكومة المدنية، والسعي إلى تأسيس وإقامة حكومة دينية، والنوع الثاني من الأهداف وهي الثانوية وتتمثل في مجموعة عديدة من الأهداف ومنها: « حشوا أذهانهم بأفكار لا تنسجم مع الأفكار الأصيلة التي تنسجم مع ثوابت المجتمع؛ للتشكيك في صحة الأفكار والممارسات التي لها مرجعية ثابتة، مما يتسبب في إحداث ازدواجية في الفهم، وبالتالي الاتجاه إلى ممارسة السلوك الانحرافي. « إضعاف لوحدة المجتمع وتمزيق تماسكه وتوزيعهم إلى كيانات ذات انتماءات مختلفة، الأمر الذي يتسبب في إثارة النعرات الطائفية، والولاءات المضللة، وربما أدى إلى المواجهة والاقتتال الفردي والجماعي. « تشويه صورة الإسلام والمسلمين ونعتهم بأوصاف غير حقيقية؛ للتقليل من أهمية الإسلام وهيبته كدين ومنهج، وللتقليل من أهمية المسلمين كبشر مثل غيرهم لهم خصوصية في الفكر والمنهج والسلوك. « إحداث اعتداءات فادحة على النفس أو على الآخرين أو على المجتمع وإلحاق صور من الأذى المغلظ لإجبار صنّاع القرار في المجتمع على تنفيذ قناعاتهم المفروضة عليهم في الأصل. « إيجاد أجيال ذات عقول بسيطة لا تفرق بين الحق والباطل، و لا تنظر إلا على السلبيات وتغفل الإيجابيات وتنبهر بما لدى الغير وتتنكر على التاريخ والتراث وصناعه الأمجاد. « إيجاد أجيال تتهاون في احترام حقوق النفس وحقوق الآخرين، كما تتهاون في أداء الواجبات على نحو سليم. « نبذ الوسطية وذلك بالغلو في الدين أي التعصب للجماعة، والغلو في قائدها، والتكفير بالمعصية، وتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله، وتكفير الخارج عن جماعتهم، والقول بجاهلية المجتمعات المسلمة المعاصرة، والحكم على بلاد المسلمين بأنها دار كفر، واستحلال الدماء والأموال بناءً على ذلك، وتحريم الطيبات، والغلو بتحريم العمل في الوظائف الحكومية. « تغيير المعاني الصحيحة للمفاهيم، فمثلاً يعتبر الانتحار جهاداً وقتل النفس بغير حق استشهاداً. لقد أثبتت الجماعات المتطرفة بما لا يدع مجالاً للشك أنّ مؤسسات التربية في المجتمع مقصرة جداً في القيام بأدوارها على نحو سليم تجاه الشباب. وإنه من المؤلم أن ترى أبناء مجتمعك هم من يقفون في وجه مجتمعهم، ويسعون إلى تحقيق أهداف الجماعات المتطرفة على أرضهم. ولا أعتقد أنّ الجامعات ومراكز البحوث مقصرة، إذ يزخر الأدب العلمي في مجالات التربية وعلم النفس والاجتماع بتوافر دراسات عن الأدوار اللازمة لتحصين الشباب من أصحاب الفكر الضال، وعلى الرغم من توافرها إلا أنّ الاستفادة منها يُعَد متواضعاً من قِبل الجهات المستفيدة وذلك في حدود اطلاع ومعرفة متواضعة. وإذا كانت العناية بالأبناء مطلباً مهماً شرعاً وعرفاً في كل الأوقات، فإنّ العناية بهم تتزايد أضعافاً مضاعفة في هذا الوقت الحرج والعصيب. ومن الأدوار الفاعلة تعاون التربويين وشركات الاتصالات تحت إشراف وزارة الداخلية على بث نوعين من الرسائل التوجيهية عبر رسائل SMS ، النوع الأول للآباء والأمهات، وفكرتها تتركز على التأكيد عليهم بضرورة الارتباط بأبنائهم، والتواصل مع مركز الأمير محمد بن نايف لمساعدتهم، والنوع الثاني للشباب المغرّر بهم، وفكرتها تتركز على التعريف بالجماعات المتطرفة، وروادها والاستشهاد بمواقفها تجاه مجتمعاتهم، والتأكيد عليهم بأنهم ثروة لمجتمعهم، والنهاية المؤسفة المنتظرة لهم سواء بقوا على قيد الحياة أم بعد مماتهم. أسأل الله أن يحفظ المسلمين في كل مكان، وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان ورغد العيش، وأن يجعل المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وقوات مسلحة والشباب اليقظ شوكة في حناجر المغرضين، وأن يمنحها اليد الحديدية لقطع الطريق عليهم فلا يجدوا منابع لتنفيذ مخططاتهم، وأن لا يبلغهم مرادهم سواء أكانوا من الخلايا النائمة في الداخل أم في الجماعات المتطرفة الواضحة في الخارج، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مشاركة :