الهويات القاتلة والكيانات القلقة بقلم: أمين بن مسعود

  • 8/8/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قيام كيان قومي أقلياتي قلق في كردستان العراق، لن يساعد لا على بناء الدولة وإقامة عقد اجتماعي جديد يتجاوز حقيقة الطائفية السياسية والاجتماعية والدستورية مثلما تدعو إليه بعض الفصائل العراقية.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/08/08، العدد: 10716، ص(9)] كلما ازداد الحديث عن الاستقلال والانفصال تحت عناوين تقرير المصير والاستفتاء الشعبي، كلما انسدت فرضيات التعايش المشترك وقلّت خيارات المواطنة المتعددة صلب الوطن الواحد. كانت تجربة جنوب السودان واحدة من أسوأ التجارب الإنسانية والثقافية والسياسية في الوطن العربي، فبمنأى عن الإشكاليات السياسية والاستراتيجية التي حفت بالموضوع وسعرت من نار الانفصال وحشدت كافة مقدمات ومقومات الانفراط، فإن تحول أقلية دينية إلى إثنية ومنها إلى قومية تعرّف نفسها بمقتضى التغاير والتمايز عن الأكثرية هو في المحصلة دليل فشل سوداني رسمي في إدارة التنوع والمحافظة على النسيج الثقافي وتدبير الشأن العام في سياقه الأشمل. ذلك أنّ الأقلية- أيا كان نوعها إثنية أو لغوية أو دينية- التي لا تجد مكانة ومكانا ضمن مقولة المواطنة الثقافية ستضرب ضرب الحائط بمبدأ “ثقافة المواطنة” وستبحث عن وطن بديل يؤمن لها المواطنة المرجوة والكينونة المتطلع إليها. ويبدو أن الوطن العربي لم يتعلم من تغريبة جنوب السودان ومن تراجيديات الهويات، حيث انخرط أكراد العراق في مسار للانفصال الهيكلي ونيل الاستقلال عن دولة العراق. لم يلتفت زعماء كردستان العراق إلى الدعوات الأممية التي شجعتهم على تأجيل الاستفتاء، ولم يؤثر البرود الإقليمي حيال الانفصال في مسعاهم إلى الدخول في مرحلة ما بعد الدولة العراقية الموحدة. طوال مرحلة الاستقلال العراقي، كان للأكراد في العراق خصوصية ثقافية ولغوية، أقر بها الرئيس صدام حسين في مرحلة أولى بإفرادهم بحقوق فردية وجماعية خاصة قبل أن يقبل بالفدرالية عقب حرب الخليج الثانية 1991، ولكن مع سقوط بغداد ودخول العراق حقبة الاحتلال الأميركي دخلت كافة المكونات الثقافية والإثنية واللغوية العراقية في مرحلة التقوقع الهوياتي والوقوع في سرديات التمايز عن الآخر. مع تلاشي الدولة ظهرت دولة الميليشيات، ومع ضرب الهوية الوطنية انفجرت الهويات الثانوية، ومن دولة العراق تحولنا إلى دولة المذاهب والأعراق. المفارقة أن القنوات الإعلامية التي تفرخت بعد سقوط نظام صدام حسين، انخرطت في حروب الهويات الطائفية وتصفية حسابات الماضي لتصفية مقومات العيش المشترك الراهن، إلى درجة أن الفضاء الإعلامي العراقي بات مساحة للتحارب الهوياتي والطائفي. وعوض أن تجد الطوائف في الإعلام مضامين الوحدة ومقاصدية دعم العيش المشترك والقفز على احتقان “الذكرى” واحتراب المرجعيات، صار لكل طائفة إعلامها ولكل عشيرة قناتها ولكل قبيلة فضائيتها التي تؤمن لها الدعاية الكاملة وتفرض على الآخرين حربا ضروسا لا أخلاق فيها ولا أخلاقيات. وأمام دستور عراقي أسس للطائفية القانونية والإدارية والسياسية ونظر لمفهوم تقاسم الدولة وإرضاء الطوائف على حساب الدولة لا بناء الدولة على حساب الطوائف، صار لكل طائفة شبه دولة وشبه جيش وشبه إعلام وشبه علم. ومع انحسار مقولة الدولة الجامعة، صارت لكلّ إثنية أدوار وأفكار، أدوار في المنطقة والإقليم وأفكار عن الطائفة الناجية وسرديات “التحقير والتمجيد”، وفق تعبير الباحثة الفرنسية إيزابيل ماسون. ومع بداية الحرب على الإرهاب، لم تجد حكومة حيدر العبادي الرافعة الوطنية لتجميع الشعب العراقي حيال خطر داهم يهدد حقيقة البلاد والعباد، ذلك أن الطوائف استبطنت مقولة الانقسام الناعم والانشطار الهادئ، فالميليشيات الكردية كانت تحارب من أجل تحسين جغرافيتها وتمديد حدودها، والميليشيات الشيعية كانت تنافح من أجل مزيد بسط هيمنتها على الجيش والأمن ومأسسة الميليشيات عسكريا، أما باقي المكوّنات وعلى رأسها السنة العرب فلم تحرمهم داعش من رمضائها ولا ميليشيات الحشد الشعبي من نيرانها. قيام كيان قومي أقلياتي قلق في كردستان العراق، لن يساعد لا على بناء الدولة وإقامة عقد اجتماعي جديد يتجاوز حقيقة الطائفية السياسية والاجتماعية والدستورية مثلما تدعو إليه بعض الفصائل العراقية، ولن يبني أيضا “دولة أمّة” مثلما يتطلّع الأكراد لذلك، ذلك أن الدولة نتاج تقاطع التاريخ والجغرافيا والأنسنة وليست ثمار تطويع للتاريخ وسرقة للجغرافيا وقومنة للهويات الأقلياتية. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود

مشاركة :