العلاقة الحوارية بين النص والنقد ساهمت في إغناء المفاهيم والنظريات النقدية الحديثة وفتح باب الاجتهاد والتطوير، بينما تجلت السلبية في تحول النقد إلى ممارسة فكرية.العرب مفيد نجم [نُشر في 2017/08/08، العدد: 10716، ص(15)] تحليل النص ودراسته يستدعيان أن يمتلك الناقد منهجا ورؤية نقدية محددة، ينطلق منها في تحليل وقراءة هذا النص. عشرات المناهج النقدية التي ظهرت حتى الآن كانت محاولات دؤوبة من النقاد لإنجاز هذه الغاية، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق ذلك على الوجه الأكمل، ما يجعل سيرورة التجربة النقدية مفتوحة على الجديد. العلاقة بين النص والنقد هنا تتجاوز مسألة الاختلاف من يتبع من، إذا أين تكمن المشكلة، في النص الذي ما زال يخاتل مناهج القراءة، ويتمرد على جميع محاولات تقعيده، أم في النقد الذي لم يستطع حتى الآن أن يستكمل أدوات القراءة الكافية لبلوغ هذا الهدف؟ الإجابة هنا تفترض وجود بنية مستقرة للنص، في حين أن طبيعة اللغة وتشكلها لا تعرف التوقف عن التجدد، إضافة إلى أن النقد ما زال يبحث في خبايا العلاقة المفترضة بين بنية النص والمؤلف والمتلقي. إن وفرة هذه المناهج الكبيرة هي تعبير عن الجهد الذي ما زالت تبذله النظرية النقدية للإحاطة بجوانب هذه العلاقة بين أطرافها الثلاثة، كل هذا جعل محاولات البنيويات المختلفة تنتهي إلى تجديد السؤال النقدي حول بنية النص ومقاربته نقديا. ظهور النقد السيميولوجي والتفكيك والنسويات والنصية والنقد الثقافي بتياراتها المتعددة يؤكد فشل البنيوية في هذا المسعى. إن هذا التوالد ومن ثم التشظي يكشفان عن طبيعة الإشكالية التي ما زالت تواجهها هذه النظريات النقدية حتى الآن، بعض النقاد يرون المشكلة في الطبيعة الأحادية لهذه المناهج عبر تاريخها، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر الأدوار التي لعبتها هذه النظريات على مستوى قراءة النص وتوليد نظريات جديدة تستدعيها فاعلية القراءة المواكبة لتطور الإبداع. وفي حين يرى البعض أن إضافات هامة قدمتها هذه المناهج على مستوى القراءة وتطورها مستفيدة من منجزات العلوم والمعارف المختلفة، فإن البعض الآخر يجد أن ذلك كان على حساب النظرية النقدية. العلاقة الحوارية بين النص والنقد ساهمت في إغناء المفاهيم والنظريات النقدية الحديثة وفتح باب الاجتهاد والتطوير، بينما تجلت السلبية في تحول النقد إلى ممارسة فكرية تنوعت إحالاتها وأدواتها بتنوع مرجعياتها. الحيوية التي تميز بها تاريخ هذه المناهج، يدل على قدرتها على التجدد والتطور وإعادة طرح سؤال النص بصورة دائمة تعكس معه حيوية النص وقدرته على الاغتناء والتجديد. وفي هذا المستوى من العلاقة الحوارية المفتوحة بين النص والنقد سيظل سؤال النص قائما، وكأن لا نهاية لمراوغة النص ومخاتلته للنقد، في حين ستستمر محاولة النقد لامتلاك مفاتيح مغاليقه واستجلاء الظاهر والمضمر في بنيته. كاتب سوريمفيد نجم
مشاركة :