ما سر اختفاء جثث "داعش" من أرض المعركة في العراق؟!

  • 8/8/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرون يتساءلون عن سر اختفاء جثث وأسرى مسلحي تنظيم الدولة وعدم وجود أثر لهم يتناسب وحجم ما قُدّر من عددهم على أرض المعركة، والبالغ 32 ألف مقاتل في كل من العراق وسوريا، بحسب تصريح لقائد التحالف الدولي الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند، ليتبين فيما بعد أن الحرب كانت ضد أشباح بعد أن عجزت القوات المهاجمة عن عرض صور لانتصاراتها كأكداس من جثث الأعداء على أقل تقدير! يأتي هذا رغم تصريح لرئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية في البرلمان العراقي، قال فيه إن 28 ألف عنصر من مسلحي تنظيم الدولة قد تم قتلهم منذ إعلان الحكومة في بغداد بدء العمليات العسكرية في الأول من مارس/آذار عام 2015، وفي تقرير للاستخبارات الحكومية عن معركة الموصل جاء مطابقاً لتقرير نهائي عن مدن أخرى، فلا جثث ولا أسرى من "داعش"، والتقرير يفشل في تقديم تفسير منطقي. المعارك في العراق -وطوال عامين مضيا- لم تكن نظيفة بأي شكل من الأشكال؛ فالتحالف الدولي الذي قدم دعماً لوجيستياً مباشراً عبر طائراته وقواته المقاتلة على الأرض لم يكن يرغب في أن تظهر للعلن جثث شوهتها آثار الحروق بفعل استخدام أسلحة محرمة دولية كالفسفور الأبيض وفق تأكيد دوناتيلا روفيرا كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية؛ ومن ثم فالتحالف لن يقف بالضد من أي وسيلة يرى فيها إمكانية التخلص وتطهير الأرض من تلك الجثث، سواء أكانت لمدنيين أو لمسلحي تنظيم الدولة. شركاء تحالف الحرب ضد "داعش" لم يكن يرغبون في اختفاء الجثث فقط؛ بل كان هناك عدم ممانعة أميركية في عدم الاحتفاظ بأسرى أيضاً حتى وإن كان بينهم مدنيون، وهو أمر تناولته صحيفة "الديلي ميل" البريطانية في تقرير لها، نقلت فيه عن ضابط رفيع بالجيش العراقي قوله إن السلطات في بغداد أعطت أوامر لقواتها "بقتل أي شيء يتحرك" في الموصل خلال المعارك ضد تنظيم الدولة، والإحصائية التي أفصحت عنها قيادات في التحالف الدولي عن عدد مسلحي تنظيم الدولة في العراق فتحت شهية القوات الحكومية لقتل أي شخص يرونه أمامهم. الانتهاكات التي جرت خلال معركة الموصل وثَّقتها بشكل مستمر منظمة "هيومان رايتس ووتش"؛ ففي يونيو/حزيران عام 2017، قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، إنه بات العثور على جثت لرجال مكبَّلين ومعصوبي الأعين فصلاً متكرراً في المدينة والمناطق القريبة منها وفي نهر دجلة تحديداً. المنظمة نفسها، وبالأدلة ونقلاً عن شهود عيان، أكدت أيضاً أن "الفرقة العسكرية العراقية 16" والتي درَّبتها الحكومة الأميركية أعدمت عشرات الأشخاص في الموصل القديمة، كان من بينهم صبية وكبار في السن، ونقل التقرير عن سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، قولها إنه في الوقت الذي يحتفل فيه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بالانتصار في الموصل، يتجاهل طوفان الأدلة التي تثبت ارتكاب جنوده جرائم حرب في المدينة التي وعد بتحريرها. تغاضٍ لم تكن الحكومة في بغداد متورطة فيه وحدها؛ فقد أكد موقع "بازفيد" الأميركي أن القوات الأمنية العراقية تنفذ عمليات قتل خارج إطار القانون في الموصل من دون أن يكون للجيش الأميركي أي موقف رافض تجاهها. أدلة وبراهين تؤكد أن عملية تطهير طائفي وعرقي واكبت العمليات العسكرية، وهو ما يوافق ما ذهبت إليه صحيفة "الإندبندنت" البريطانية التي نشرت تقريراً لها في يوليو/تموز عام 2017، أشارت فيه إلى أن قوات الأمن العراقية كانت تحرص على إعدام معتقلي تنظيم داعش؛ إما بإلقائهم من فوق المباني والمرتفعات وإما برميهم بالرصاص؛ نظراً إلى اعتقادهم أن هؤلاء سوف يُطلق سراحهم من السجون عن طريق الرشوة في حال تسليمهم بغداد. الموصل التي قُتل فيها أكثر من 40 ألف مدني، بحسب تقرير لـ"‍باترك كوبيرن"، الكاتب في صحيفة "آي" البريطانية، لتطوى بعدها صفحة أقذر معركة في التاريخ المعاصر ويعلن نصر، ولكن بتكلفة باهظة من انتهاكات حقوق الإنسان وفقاً لـ"الغارديان"، يرِد مشافي المدينة يومياً -حسب وكالة رويترز- ما معدله 30 إلى 40 جثة، ليتم حفظها في الثلاجات لمدة 60 يوماً. وفيما لو لم يراجع أحد لتسلُّمها، فإن جماعات لم يفصح عنهم يتكفلون بدفنها، ولكن السؤال: أين تُدفن؟ ولو عدنا بالزمن إلى الوراء قليلاً، فخلال سنوات الاحتقان الطائفي بين عامي (2005- 2006)، احتضنت مقبرة وادي السلام في النجف آلاف الجثث مجهولة الهوية من ضحايا القتل في بغداد ومدن أخرى، وحينما زاد العدد على الحد المعقول، تم تحديد قسم خاص في المقبرة لمجهولي الهوية، حتى إن المقبرة توسعت بشكل كبير، لدرجة أنها زحفت نحو الصحراء باتجاه الحدود مع السعودية. فيما أكد عاملون هناك أن المقبرة تستقبل يوميا 100 جنازة، ولكن هل جميعهم جنود أو مدنيون معروفو الهوية؟ وهل من المستبعد أن تُدفن فيها جثث تعود لعناصر من "داعش" في ظل عدم وجود من يسأل عنها، كما أن الأمر يخدم أصحاب الأجندات الطائفية حين يستلزم الأمر حشد الشارع دعماً لهم عبر عرض صور لما قيل إنهم شهداء الحرب المقدسة ضد الإرهابيين والتكفيريين. ما حدث في الموصل يعيدنا بالذاكرة إلى الـ10 من مايو عام 2017، حيث اعترف القيادي في ميليشيا الحشد كريم النوري بأن جميع من قيل إنهم اختُطفوا في أثناء معارك الرمادي والصقلاوية والفلوجة بالأنبار، والبالغ عددهم 2600 مواطن، من قرب منطقة الرزازة، وما زالوا مختفين- قد تم قتلهم جميعاً بزعم أنهم لم يكونوا مدنيين؛ بل كانوا مقاتلين ضمن صفوف تنظيم الدولة. وضمن معارك صلاح الدين، فقد أكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن ميليشيات الحشد قامت باعتقال مئات المواطنين بزعم الانتماء إلى تنظيم الدولة، فيما ما زال الكثير منهم مختفياً حتى اللحظة، بعد أن نُهبت وأُحرقت مئات المنازل والمباني في تكريت وأقضية مجاورة لها. وفي محافظة ديالى المجاورة لإيران، فنواب عن المحافظة يؤكدون أن عدداً كبيراً من المدنيين المختطفين يقبعون في أقفاص حديدية تحت الأرض، وهي طرق جديدة وسرية للإخفاء القسري. وإلى الجنوب من بغداد وتحديداً ناحية جرف الصخر شمال بابل، فإن سجوناً تديرها ميليشيا حزب الله العراقي هناك يقبع فيها آلاف المدنيين، في وضع وصفه البعض بأنه مشابه لأفران الغاز في ألمانيا النازية سابقاً، حيث تفنى جثث المعتقلين هناك وتختفي بصورة لم تجد تفسيراً لها حتى الآن. وبالنتيجة، فإن جثث "داعش" التي يتساءل عن مصيرها البعض، سيجد الإجابة عنها في أعماق دجلة، ومقابر جماعية فضحتها لقطات صورتها هواتف مقاتلي "الحشد" لجرافات وهي تدفن عشرات الجثث، والسجون السرية بمنطقة الهبارية في النخيب ومعتقل أبو غرك بالحلة ومعتقل الرزازة ومعتقل صدر القناة ومعتقل الخالص ومعتقل الحنانة في النجف. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :